يتحدث الأفغاني «ع. اكبري» عن أن «ثلاثين سنة من الحياة في ايران لم تكن سهلة على الإطلاق لكنها في السنوات الأخيرة باتت أصعب من اي وقت مضى، فأن تكون مهاجراً أمر ليس سهلاً وأن تكون مهاجراً افغانياً في إيران يعني منظومة من الاصطلاحات المهينة النمطية، والوصمة تلاحقك اينما ذهبت، فأنت الذي لا أصل له، السارق، القذر، القاتل والمجرم». لكن الأفغاني ضمن تعريفه لنفسه هو انسان شردته الحرب واجبر على اللجوء الى بلد يتشارك مع أهله باللسان والدين، وهو في الوقت ذاته فقير يجبره ضيق ذات اليد على القيام بأعمال شاقة ومهينة وبدون ضمانات وبأجر زهيد، شخص خائف دائماً من رجال الشرطة ومطلوب منه بمناسبة وغير مناسبة أن يبرز هويته الشخصية، ومصاب بحالة رعب من التهديد الدائم بالإبعاد وبطاقة الهجرة باتت معادل الحياة بالنسبة له، اما اطفاله فحقهم في التعليم غائب ولا مجال للحديث عنه. في الجنوب الإيراني يروي أحد قادة الجيش السابقين بحماس قصصاً عن البعد العقائدي في الحرب مع العراق، وبينما هو يصف تأثير هذا البعد يؤكد أن كثيراً من «الإخوة الأفغان سقطوا وهم يقاتلون جنباً إلى جنب مع اخوانهم الإيرانيين» في حرب لن تمحى من الذاكرة بسهولة، لكن أخا الأمس بات ضيفاً ثقيلاً اليوم ومطلوب منه أن يغادر إلى بلاده. وتشير الأرقام الأفغانية إلى 900 الف مهاجر، أمّا الأرقام الرسمية الإيرانية فتتحدث عن مليون مهاجر تتمركز الغالبية العظمى منهم في طهران وخراسان الكبرى الأقرب الى الأراضي الأفغانية ويعود الحضور الأفغاني كمهاجرين في ايران إلى فترات تاريخية قديمة لكنه لم يكن في السابق يحمل الأبعاد السلبية التي يحملها بالنسبة لمهاجري اليوم : الأفغان الخطرون، اللصوص، المجرمون، مسببو البطالة.. ففي زمن الشاه استقبلت ايران اعداداً قليلة من المهاجرين الأفغان، ومع احتلال افغانستان من قبل الاتحاد السوفياتي بدأت ايران تشهد اتساعاً للهجرة الأفغانية التي حملت وجهاً سياسياً وعقائدياً، وخلال 14سنة من حكم حزب الشعب الديموقراطي وصل تعداد اللاجئين الى مليون ونصف لاجئ، ومع انتصار المجاهدين سعت إيران لإعادتهم الى بلادهم لكن العدد تنامى في شكل ملحوظ مع مجيء «طالبان» الى الحكم. وشهدت سياسة اعادة اللاجئين الأفغان اجبارياً الى بلادهم تصاعداً كبيراً خاصة مع مجيء احمدي نجاد إلى الحكم، وقدمت حكومته قضية اخراج اللاجئين خاصة اولئك الفاقدين للوثائق الرسمية كحل يوفر آلاف فرص العمل للإيرانيين. وتلعب وسائل الإعلام الإيرانية من صحافة وتلفزيون ومواقع الكترونية دوراً مؤثراً في تشكل هذه النظرة السلبية ومن ذلك التركيز بصورة مبالغ فيها على الجرائم التي يرتكبها بعض المهاجرين والسخرية منهم، فعلى احد المواقع سخرت مقالة من الشبان الأفغان الذين استبدلوا بالسروايل الواسعة الجينز والقمصان الحديثة وكذلك من الفتيات اللواتي تخلين عن التشادور الافغاني واصبحن مثل فتيات طهران يرتدين الملابس «المودرن» ويتجولن في شمال طهران، ولم تنسَ المقالة أن تذكر من تصفهم ب «ناكري الجميل أنهم يعيشون في ايران حياة لم يكونوا يأملون في الحصول عليها حتى في احلامهم». وفي المحصلة فالتعامل مع المهاجرين الأفغان في مجمله يقوم على تمييز، مهين وغير انساني في احيان كثيرة، ويفتقد الكثير منهم للحقوق الأساسية وفي مقدمتها التعليم والسكن والزواج ولا يبدو المجتمع الدولي عابئاً بمشاكلهم. وساعد على تفاقم المشكلة سوق العمل والظروف التي يعمل ضمنها الأفغان وخاصة في أعمال البناء والأعمال الموسمية، فالكثير منهم لا يملك وثائق ثبوتية ولذلك يتوجهون للأعمال المرهقة والتي لا تدر دخلاً جيداً فيحصلون على اجور اقل بكثير من تلك التي يطلبها الإيراني، ولا يكون صاحب العمل ملزماً بالتأمينات العمالية والالتزام بسلم الأجور كما لا توجد اي حماية قانونية لهم. وبعد سنوات من اللجوء كان «المجتمع الأفغاني المهاجر» يفقد قاعدته الاجتماعية ويعجز على عكس الكثير من المجتمعات المهاجرة في بناء هوية جديدة لنفسه في المجتمع الإيراني. وتشير دراسات كثيرة إلى وجود علاقة كبيرة بين الفقر والبطالة والجريمة بين المهاجرين الأفغان فعجز الكثير منهم عن إيجاد فرصة عمل دفعه لسلوك طريق الاجرام الذي يصل الى بيع المخدرات والسطو وتشير الأرقام الى وجود 5600 سجين افغاني في السجون الإيرانية، 3000 منهم من المهربين الحدودين وليسوا مهاجرين والكثير منهم محكوم بالاعدام بتهمة تهريب المخدرات، ويوجد 2600 سجين من المهاجرين محكومين وموقوفين بجرائم متنوعة. ونجحت قلة قليلة بأن تنجو بنفسها من هذه المستنقع عبر الزواج من عائلات ايرانية أو دخول السوق في اعمال تجارية وهو ما ضمن لأبنائها وثائق ثبوتية وفرصة الحصول على التعليم. ونجح هذا الجيل بفضل «ورقة رسمية» في الحصول على فرص عمل وتعليم غير متاحة لغيرهم خاصة وأن القانون الإيراني لا يمنح الجنسية الإيرانية الا لمن حمل دماً ايرانياً سواء من ناحية الأب أو الأم لكن ولادة الطفل على الأرض الايرانية لا يمنحه هذا الامتياز، ولذلك فهناك آلاف الأطفال الأفغان الذي ولدوا دون أن يتمكن اهاليهم من اصدار شهادات ولادة لهم مما يعني حرمانهم من جميع حقوقهم الأساسية وفي مقدمتها التعليم. وعلى رغم أن وزارة العلوم الإيرانية تقدم العديد من المنح الدراسية للطلبة الإفغان المقيمين بصورة رسمية في البلاد الا أن ذلك يبقى قليلاً امام الاعداد الكبيرة للمهاجرين. وخلال ثلاثة عقود من الهجرة تمكن ثلث المهاجرين فقط من الحصول على اوراق ثبوتية. حتى نهاية حكم «طالبان» كانت ايران تتبع سياسة لا مبالية فهي لم تقدم على جمع واخراج المهاجرين الذين لا يحملون اوراقاً ثبوتية وفي الوقت ذاته لم تقدم لهم المساعدة، ومع سقوط «طالبان» بدأت تتخذ نهجاً متشدداً معهم وشرعت بتطبيق خطة لترحيلهم الى بلادهم بشكل كامل. وفي المقابل يقف المهاجرون انفسهم موقفاً سلبياً من قضيتهم فهم لم يشكلوا اي تجمع للحديث باسمهم ومحادثة المسؤولين الإيرانيين لتحقيق بعض الحقوق والمكاسب وبات سعي الكثيرين مقتصراً على اقناع مندوبي الأممالمتحدة بسوء اوضاعهم وعدم قدرتهم على العودة إلى بلادهم للحصول على لجوء إلى إحدى الدول الاوروبية او غيرها.