دخلت الجزائر مرحلة بالغة الصعوبة بعد فقدانها أكثر من 58 بليون دولار من احتياطاتها من العملة الصعبة خلال العامين الأخيرين، بسبب انهيار أسعار النفط وارتفاع فاتورة الواردات، كما بينت أرقام رسمية أعلنت الأحد. وفي مؤشر الى حساسية الوضع، منع رئيس الحكومة عبد المالك سلال، الصحافيين من حضور مداخلة لوزير المال في مؤتمر ثلاثي (بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل). وأفاد سلال بأن احتياط الجزائر التي تقوم مداخيلها على العائدات من المحروقات، شهد تراجعاً جديداً إلى 136.9 بليون دولار، مقارنة ب195 بليون دولار سجلت أواخر آذار (مارس) 2014. وأتى كشف سلال عن الأرقام الرسمية في معرض تبرير حزمة من الإجراءات المالية، ضمن سياسة «التقشف» التي لم تخفف وطأة تراجع أسعار النفط في السوق الدولية.ترافق ذلك مع إقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الأسبوع الماضي، محمد لكصاسي محافظ المصرف المركزي الجزائري، أعلى هيئة مالية في البلاد، على رغم أن الأخير قضى 15 سنة كاملة على رأس الهيئة. وعُيّن بدلاً منه مدير مصرف الجزائر الخارجي محمد لوكال. ولم يكن بوتفليقة ليتخلى عن لكصاسي لولا صعوبة الوضع المالي. وتواجه الجزائر مشكلتان، الأولى تتعلق بتهاوي قيمة الدينار (العملة المحلية) إلى أدنى درجاتها والثانية عدم نجاح سياسة التقشف ولا السياسات البديلة لا سيما قروض الخزينة (السندات). وكان احتياط الصرف عرف انتعاشاً كبيراً منذ عام 2006، تماشياً مع ارتفاع سعر الذهب الأسود في السوق العالمية، حيث أخذت البلاد تجني أرباحاً سنوية تقارب 20 بليون دولار ليصل الاحتياطي أحياناً إلى 200 بليون دولار، قبل أن يأخذ مسار الانحدار بحلول حزيران (يونيو) 2014. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن سلال قوله أنه حتى ولو عادت أسعار المواد الأولية، وفي مقدمها النفط، إلى مستوياتها المرتفعة مستقبلاً، فإن ذلك لن يكون كافياً لتغطية التنمية السوسيو- اقتصادية للبلاد. وإضافة الى تراجع احتياط العملة الصعبة، تواجه الجزائر اختلالاً غير مسبوق في عملتها الوطنية (الدينار)، مما تسبب في رفع كلفة العيش وارتفاع أسعار كافة المنتوجات المستوردة. ويذكر أن الجزائر عرفت خلال الفصل الأول من العام الحالي، عجزاً قياسياً جديداً في ميزانها التجاري بلغ 5.6 بليون دولار، في مقابل عجز ب3.4 بليون دولار سجل خلال الفترة ذاتها من العام 2015. ومن الواضح أن السياسة الاقتصادية للبلاد لا تلاقي الإجماع داخل الحكومة، ويدافع فريق مقرب من سلال عن عودة الديون الخارجية الموجهة للاستثمار، في حين يرفض هذا الخيار مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، وهو أطلق تصريحات أول من أمس، صبت في سياق مناقض لتوجهات الحكومة اقتصادياً، وقال أويحيى أن الجزائر في حاجة إلى سعر برميل لا يقل عن 90 دولاراً لتحقيق التوازن المالي للخزينة.