مضى الحكم الموقت في مصر في طريق تضييق الخناق على جماعة «الإخوان المسلمين»، وحلفائها، فأقر تعديلات قانونية تشمل توسيع مفهوم الإرهاب، وتشديد العقوبات بحق منفذيها والمحرضين عليه، في مسعى منه إلى محاصرة العمليات الإرهابية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، وذلك قبل أكثر من شهر منذ انطلاق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ووفق قانونيين تحدثت إليهم «الحياة» فإن العقوبات المشددة، التي تنتظر تصديق الرئيس الموقت عدلي منصور بعدما أقرتها الحكومة في اجتماعها أول من أمس، ستُطبق على قضايا منظورة أمام المحاكم المصرية ويحاكم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي وكبار رموز «الإخوان المسلمين»، والذين تنتظرهم عقوبات تصل إلى الإعدام إن ثبتت اتهامات «التحريض على العنف والقتل، وإدارة تنظيمات تهدف الى تعطيل الدستور ومؤسسات الدولة، والتخابر مع جهات أجنبية»، وكلها جرائم عقوبتها الإعدام أو السجن المشدد وفق التعديلات القانونية الجديدة. لكن التعديلات القانونية طرحت أسئلة حول قدرة الدولة على تنفيذها على الأرض للحؤول من دون مزيد من عمليات العنف، لا سيما أن قانون «التظاهر» الذي صدر قبل شهرين وأثار جدلاً واسعاً في الأوساط المصرية لم يؤت أثره في تقويض تظاهرات «الإخوان المسلمين». ووفق مشروع التعديلات القانونية فإن توسعاً في تعريف العمل الإرهابي ليصل إلى حد تجريمه «الإضرار بالوحدة الوطنية، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني والأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة والهيئات القضائية أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين»، كما شمل جرائم تضر بالاقتصاد من بينها «الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المالية أو البنكية، وبالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة وبالمخزون الأمني من السلع والمواد الغذائية أو بالخدمات الطبية»، كما عرف تمويل الإرهاب ب «كل إتاحة وجمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد بشكل مباشر أو غير مباشر أو بأي وسيلة لأموال أو أماكن أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات بقصد استخدامها في ارتكاب أي جريمة إرهاب». ويعاقب القانون الجديد بالإعدام أو بالسجن المؤبد «كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة إرهابية أو تولى زعامة أو قيادة فيها»، كما يُعاقب بالسجن المؤبد كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء عليها، ما يعني أن مرشد الإخوان وكبار رموز الجماعة تنتظرهم عقوبات مشددة في قضايا عدة تنظرها المحاكم المصرية. كما يُعاقب القانون الجديد بالسجن المؤبد «كل من تخابر لدى دولة أجنبية، أو منظمة أو جماعة خارج مصر»، على أن تكون العقوبة الإعدام إذا وقعت الجريمة، وهي التهمة الموجه إلى الرئيس المعزول محمد مرسي وعدد من أركان الجماعة في القضية المنظورة أمام القضاء. كما يعاقب بالسجن المؤبد أو بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنين كُل من حاول بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة، وهي اتهامات وجهتها سلطات الأمن إلى أغلب رموز وأعضاء الإخوان المسلمين. كما يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنين كل من تعدى على أحد القائمين على تنفيذ أو تطبيق أحكام هذا القانون، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا نشأ عن التعدي أو المقاومة عاهة مستديمة، أو كان الجاني يحمل سلاحاً، وإذا ترتب على الفعل وفاة شخص كانت العقوبة الإعدام، وكلها جرائم وجهتها السلطات المصرية إلى أعضاء في جماعة الإخوان تم توقيفهم خلال تظاهرات جرت في الأشهر الأخيرة. وشددت السلطات عقوبات التحريض أو الترويج للعنف والإرهاب لتصل عقوبته إلى السجن سبع سنوات، وفي حال كان الترويج للعنف داخل دور العبادة أو بين أفراد الجيش أو الشرطة، تصل العقوبة إلى السجن مدة لا تقل عن عشر سنين. وفي مسعى منها لتقويض نشاط تمويل الجماعة، عاقبت بالسجن المؤبد كل من قام بتمويل فرد أو جماعة لارتكاب جريمة إرهابية، فيما يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين كل من تسلم أو قبل بأية طريقة أموالاً أو منافع من أي نوع كانت من شخص أو هيئة في خارج مصر. وحظرت التعديلات القانونية مساءلة رجل الشرطة «إذا استعمل القوة أداء لواجبه لحماية نفسه أو الغير من خطر مُحدق، متى كان استخدامه لهذا الحق ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الخطر». ولفت أستاذ القانون الدكتور شوقي السيد إلى أن العقوبات المشددة في التعديلات القانونية ستطبق على الرئيس المعزول ورموز جماعة «الإخوان»، موضحاً ل «الحياة» أن القاضي عندما يفصل في القضية سيُطبق القانون المعمول به في البلاد في حينه، وكل العقوبات الجديدة ستسري مباشرة من اليوم التالي من التصديق عليها. القاضي يتعامل بالأوراق التي أمامه وبالتالي سيطبق القانون الجديد على القضايا المتداولة أمامه. ورأى السيد أن التشريع تعبير عن الرأي العام الذي يرى أن هذه الجرائم خطرة وتحتاج إلى عقوبات مشددة، مؤكداً أن تشديد العقوبات يحقق الردع. لكن وكيل جهاز أمن الدولة السابق خالد عكاشة يرى أن تشديد العقوبات غير كافٍ، مشدداً ل «الحياة» على ضرورة أن يتزامن معها إنجاز تخصيص دوائر متفرغة لنظر قضايا الإرهاب، حتى يعطي القانون مردوداً على الأرض ويحقق حالة الردع، كما يجب وضع لائحة تضع عليها كل المنظمات التي تمتلك السلطات أدلة في تورط أعضائها في عمليات إرهابية، والعمل على اعتماد تلك اللائحة دولياً، وهو ما سيؤدي إلى محاصرة أنشطة تلك المنظمات كما يحاصر انضمام جدد إليها، وقال: «علينا أن نعمل على اعتماد تلك اللائحة من جامعة الدول العربية ومن ورائها منظمات دولية في مقدمها الأممالمتحدة. وأشار عكاشة إلى أن التعديلات القانونية الجديدة جيدة كنصوص، لكن المأزق أنه لوجود إرادة سياسية لتفعيل القوانين، نخشى أن يلحق القانون الجديد بقانون التظاهر، وهذا أسوأ ما يكون لأنه يسحب من صدقية الدولة وفاعليات القوانين. أما نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبدالغفار شكر فأكد ل «الحياة» أن التعديلات القانونية الجديدة «لم تعرض على المجلس، وهي مجرد تشديد للعقوبات في القوانين المصرية»، ورأى أنها «تمكن الشرطة من السيطرة على عمليات إرهابية، لكن هذا لا يكفي لمواجهة الإرهاب، ولا بد من التركيز على جمع أكبر كم من المعلومات حول العناصر المشاركة في العمليات الإرهابية، كإجراءات استباقية قبل وقوع الجريمة، مشدداً على أن الإجراءات الاستباقية هي الحلقة الرئيسة في الصراع بين الإرهابيين وأجهزة الأمن. وأشار شكر إلى أننا في حاجة أيضاً إلى «توعية مجتمعية للمشاركة في الإبلاغ عن أي تحركات غير مألوفة لعناصر، كما لوسائل الإعلام مسؤولية كبرى في المواجهة. وقال: «القضية تكمن في مواجهة شاملة للإرهاب وليس في تشديد عقوبات في القانون فقط».