قبل شهر من الآن كان «السكين» و«قاطع الكنافة» و«الملقط»، هي الأسماء المتعارف عليها للأدوات المخصصة لفك الأجهزة واكتشافها بالنسبة للفتيات، اللاتي كان شغفهن وفضولهن دافع لهن لاكتشاف مكونات هواتفهن الذكية من الداخل، وكان ذلك يتم بشكل عشوائي. لكنهن اليوم، وبعد البرامج التدريبية المجانية المخصصة لصيانة الجوال الأساسية، التي أطلقتها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، أصبحن يعرفن المسميات العلمية، مثل: الجفت، ومفك النجمة، و«الفليكس»، وأصبحن يعملن باحترافية خلال استخدام تلك الأدوات في صيانة الجوالات. وبمجرد الحديث مع المدربات والمتدربات في الكلية التقنية للبنات في الرياض، تتّيقن أن قرار السماح للفتيات بالعمل في الصيانة كان متأخراً، فالفتيات كنّ ينتظرن هذه البرامج لتعويض غياب مجالات الهندسة والإلكترونيات لديهن، وليتّمكن من اكتساب المهارات بطرق علمية وأسس فنية بدلاً من الاعتماد على «يويتوب» والمنتديات الإلكترونية في حال رغبن في إصلاح هواتفهن، بدلاً من إبقائها حبيسة الأدراج، تخوفاً من مشاهدة أحد الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بهن، لتكتشف أن حماسة الفتيات للتوظيف بهذا المجال يتفوق على رغبتهن في افتتاح مشاريع خاصة فيهن، فهن يتطلعن لخبرة سوقية قبل أن يصبحن «رائدات» أعمال حرة في هذا المجال. وتقول بشاير العبدالله (إحدى خريجات برامج صيانة الجوال الأساسية)، التي فكت أول جهاز جوال لها بسكين، ل«الحياة»: «التحقت في البرنامج لأتدرب على كيفية التعامل مع أجهزة الجوالات، خصوصاً أنني كنت في محاولات استكشاف دائمة لفك الأجهزة وإصلاحها، وكانت تلك المحاولات تصيب أحياناً وتفشل أخرى». وتؤكد العبدالله أن برنامج صيانة الجوال سيساعدها وغيرها من الفتيات على تولي إصلاح هواتفهن، بدلاً من سياسة إبقائها في الأدراج المغلقة، على غرار ما كانت تفعل ويفعل الكثير من زميلاتها، وهي فرصة لإشباع هوايتها باكتشاف الإلكترونيات التي كانت تمارسها باستخدام السكين وقاطع الكنافة. وتطمح للحصول على وظيفة في صيانة الجوال لتطوير خبراتها ومهاراتها قبل أن تفكر بافتتاح مشروعٍ خاص فيها. من جهتها، تبين مريم العتيبي (إحدى خريجات برنامج صيانة الجوال الأساسية) أن البرنامج منحها الجرأة والشجاعة لفك الجوالات ومحاولات اكتشاف العطل فيها، بدلاً من ممارساتها السابقة، والتي كانت تعتمد على العشوائية والتعلم الذاتي من خلال «يوتيوب» ومواقع الإنترنت. وأوضحت العتيبي أنها كانت تتمنى دراسة هندسة الإلكترونيات عندما تخرجت من المرحلة الثانوية، لكن غياب هذا التخصص جعلها تلتحق في إدارة الأعمال وعلى رغم عملها مدربة في مجال المحاسبة، إلا أنها بمجرد أن سمعت بقرار توطين قطاع الاتصالات وانطلاق البرامج بادرت في التسجيل فيها، معتبرة إياها «فرصة لإخراج جوالات الفتيات من داخل غرفهن، ليثقن في فتيات يستطعن إصلاح أجهزتهن من دون خوف من تسرب الصور»، منوهة إلى أن خصوصية المجتمع السعودي وحماسة الفتيات لهذا العمل سيكون «ركيزة النجاح» لقرار سعودة المجال. وتمكنت سلمى القطان من استثمار طاقاتها عبر الدخول في مجال صيانة أجهزة الجوالات، وعززت ذلك بالدورات التدريبية المكثفة التي يدعمها صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»، بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، في مجال أساسيات صيانة أجهزة الجوالات. وتقول القطان: «تمكنت خلال دراستي من فك وإصلاح أجهزة الجوالات، بعد أن دفعتني الحاجة إلى ذلك، ومن ثم أصبحت أقوم بإصلاح أجهزة الطالبات، حينها فقط قررت أن أنقل هذه الهواية من مرحلة الممارسة إلى الاستثمار والنجاح، ومن هنا بدأت في التفكير في التدريب المتخصص في عالم الاتصالات». وزادت: «قادني الشغف إلى الانضمام إلى الدورات التدريبية في أساسيات صيانة الجوال لحبي الشديد لفك وتركيب الأجهزة، فقررت التدريب من خلال الدورات التدريبية ليكون عملي عن دراية وعلم ومعرفة». وتابعت: «تعرفت من خلال الدورات على أساسيات الصيانة والأدوات الخاصة في فك الأجهزة وتركيبها، إضافة إلى أسماء القطع وآلية تغيير القطع المتعطلة واستبدالها بجديدة». وأضافت: «بدأت في تطبيق ما درسته عبر الأجهزة المستعملة لأسرتي وأقاربي حتى أستزيد في التعلم والتمرس على العمل الذي أحببته وأتمكن أكثر من تطوير مهاراتي، خصوصاً أنني أعتبر نفسي ما زالت في مرحلة التدريب، وأسعى بكل قوة إلى فتح محل نسائي لصيانة الجوالات في إحدى الأسواق، ليكون حضور النساء أسهل، ولسهولة الوصول إلى المحل». بدورها، تقول هدى الحكمي (إحدى مدربات صيانة الجوال) ل«الحياة»: «كانت الفتيات ينتظرن هذا القرار منذ زمنٍ، لكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل مطلقاً، فهو فرصة لتدريب الفتيات على مهارة الصيانة التي تعرف أن الكثيرات منهن يحاولن إصلاح أجهزتهن بعشوائية وبأدوات غير مخصصة فقط لتستخرج صورها من جهاز توقف عن العمل فجأة». وأضافت: «إن الحماسة التي شاهدتها من الفتيات منحتني تفاؤلاً بنجاح قرار التوطين». إلى ذلك، تجاوزت طلبات التمويل المعتمدة من البنك السعودي للتسليف والادخار بالتعاون مع معهد ريادة الأعمال الوطني، للمستثمرين والمستثمرات السعوديين الراغبين في دخول قطاع الاتصالات 14 مليون ريال، ومن المقرر أن يستفيد منها 107 شبان وفتيات. منهن 8 فتيات حتى الآن.