تحاول نساء باكستانيات كسر المحرّمات الاجتماعية في بلدهن من خلال اعتلاء خشبة المسرح والرقص، غير أن احتراف هذا الفن يشكل مجازفة كبيرة في بلد محافظ حيث يربط الرقص بالدعارة وينظر إليه كأنه من مخلّفات الإرث الثقافي للجارة اللدودة الهند. وتوضح الراقصة المحترفة سوهائي آبرو المتخصصة في أداء رقصة أوديسي المشتملة على حركات منسقة لليدين والوجه: «علينا أن نشرح للناس باستمرار أن الرقص شكل من أشكال الفن، وهو لا يقتصر على ما يحصل في الحانات الليلية للترفيه عن الرجال، ولا يتعلق بالجنس وكشف جسد المرأة». وبرداء الساري الزاهي والانفعالات القوية التي تظهر على وجهها، تبتعد سوهائي كثيراً عن مظهر الخفر المطلوب عموماً من النساء في هذا المجتمع المحافظ بشدة. ويُعتبر الرقص جزءاً من الثقافة الباكستانية خلال حفلات الزفاف والعروض الخاصة بنهاية العام والمهرجانات الفولكلورية. لكن النظرة سلبية للغاية إلى المرأة التي ترقص خارج إطار العائلة، والأمر أسوأ بالنسبة إلى الراقصات على المسارح خلال حفلات مدفوعة الأجر. ويقول رهات كاظمي من الأكاديمية الوطنية للفنون المسرحية: «للأسف يُربط هذا الأمر ب»راقصات لاهور»، في إشارة إلى المومسات اللواتي يتمايلن في الحي الذي تنشط فيه الدعارة في العاصمة الثقافية الباكستانية. وفي الماضي كان الرقص الكلاسيكي في شبه القارة الهندية «اختصاص» المحظيات في عهد الامبراطورية المغولية. غير أن وضع هذه الفئة من النساء العارفات بالفنون تدهور تدريجاً خصوصاً خلال الاستعمار البريطاني إلى درجة أنهن بتن يصنفن كبائعات هوى. ولا تزال الدعارة المحظورة قانوناً تمارس أحياناً تحت ستار الحفلات الراقصة. ويشير كاظمي إلى «ضرورة التمييز والتوضيح أن الرقص من أشكال الفنون». فريال أسلم عالمة إناسة وراقصة محترفة تمارس خصوصاً رقصة «بهاراتاناتيام» التي تعود جذورها إلى جنوبالهند. وتقول: «مع أني سليلة عائلة مثقفة وليبرالية، والدتي وأنا على خلاف دائم بسبب احترافي الرقص». وتضيف الأربعينية صاحبة أطروحة في الموضوع: «أنا مسلمة ولا أعتقد أني أقوم بأي سوء (من خلال الرقص). غير أن والدتي تعتقد أن الله سيحاسبها لأنها لم تهد ابنتها إلى الطريق الصحيح». وقد منع الرقص في باكستان عام 1981 في إطار سياسة متشددة قادها الرئيس ضياء الحق. واستهدف القرار في شكل خاص الراقصات اللواتي يضعن حول الكاحلين أجراساً صغيرة، وهو أكسسوار يستخدم في أنواع كلاسيكية للرقص، فقد صنف هذا الفن ضمن خانة «الفحشاء» و»العري». ومع أن هذا التشريع لا يزال قائماً، صارت السلطات أكثر ليونة في تطبيقه والعروض الراقصة إلى تزايد. وتلفت الراقصة شيما كرماني إلى أن «العوائق الإدارية باتت أقل» من السابق، «غير أن طلبنة (نسبة إلى حركة طالبان) النفوس وانتشار الأسلحة يعنيان أن أي متفرج (...) يعتقد أنه قادر على الذهاب إلى الجنة من خلال قتلكم يمكن أن يقترب من المسرح ويفعل ذلك». إلى ذلك، لا يحظى الرقص بأي دعم مؤسساتي، إذ لا وجود لأي قاعة عروض أو هيئة خاصة بهذا الفن. كذلك لا منشورات متخصصة في الموضوع. ويعود ذلك إلى التردد الكبير لدى السلطات العامة والشركات الخاصة في ربط صورتها بهذا الفن السيء السمعة في البلاد. كذلك فإن هذا التردد يتخذ منحى أكثر تشدداً في ظل اعتبار الرقص إرثاً مشتركاً مع الهند الجارة اللدودة التي تسعى باكستان باستمرار إلى التمايز عنها منذ التقسيم الذي نشأ عنه استقلال البلدين عام 1947.