قد يعتبر بعضهم أن الحديث عن إعادة إعمار سورية هو استباق للأمور، إلا أنه ليس من الطبيعي أبداً إسقاط التّحضير لما بعد الحرب الدائرة في سورية. ولعلَّ تداول هذا المصطلح في شكل دائم في لبنان، يعيد إلى الواجهة أهمية جعله ساحة مستقرة تُشكل منصة أساسية للشركات العربية والأجنبية لإدارة إعادة الإعمار، خصوصاً عبر المنطقة الاقتصادية في طرابلس. على رغم عدم وجود منهج واضح لرسم استراتيجية لهذه الطريق الشاقة والباهظة التكاليف، أقلّه لدى القطاع الخاص في لبنان، فإن كثيرين من رجال الأعمال اللبنانيين والأجانب وأصحاب شركات عاملة في مجال الإنشاء والمقاولات بدأوا بلورة تصوراتهم. جذب عنوان المنتدى الإقليمي لإغاثة اللاجئين وإعمار سورية الذي اختتم أعماله أمس في بيروت، خبراء وناشطين سوريين يعملون في لبنان. واعتبر هؤلاء أن عليهم تقبّل الواقع قبل الدخول في ثنايا المشروع، حتّى أنه من المبكر الانطلاق من فكرة الأموال الهائلة التي ستستثمر في سورية. وكان همّهم الأبرز عودة المستثمرين السوريين المهاجرين. لم يبد خبراء سوريون ومعنيون بالأزمة تفاؤلاً بإعادة الإعمار، وبدوا أقرب إلى التشاؤم، مستندين إلى ضعف أداء الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط ومداخيل الدول النفطية المفترضة دولاً مانحة كدول الخليج. كذلك طرحوا إشكالية إعادة البناء بعد الحرب من دون وجود مؤسسة أساسية مركزية، ما اعتبروه أمراً صعباً. وتوقع جهاد يازجي رئيس تحرير موقع «Syria Report» «أننا سنواجه تحدياً في التمويل بعدم الحصول على مبالغ مالية كبيرة». وسأل: «إذا ربح النظام السوري فهل ستستطيع روسيا وإيران التمويل؟ وفي الحال المعاكسة هل تستطيع دول الخليج ذلك؟؟، مؤكداً أن «ليس كل شيء في سورية مدمّراً، فما زال بإمكاننا الاستفادة من محطات الكهرباء ومعالجة الغاز». ويستند ورد الحموي الذي يعمل في مشاريع للدعم النفسي للنازحين السوريين إلى مقولة «سر للحب وأنت مفتوح العينين». يرى معنيون لبنانيون في الشأن الاقتصادي من أمثال رئيسة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس الوزيرة السابقة ريا الحسن أن هذا الموضوع بحاجة إلى خطة عمل اقتصادية شاملة متوسّطة إلى طويلة الأمد ترافق عملية الإعمار وتشمل تبني المعنيين في الداخل والاختصاصيين الدوليين، ما يؤدي إلى معالجة الخلل الاقتصادي وخلق فرص عمل للسوريين. ويأسف الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر لعدم «وجود بنية تحويلات، فالمصارف أو السوق المالية ضعيفة وتراجعت بفعل الحرب بعدما كانت 25 بليون دولار»، مذكراً بأن «المصارف اللبنانية في سورية عليها أن تلعب دوراً في هذا الموضوع، فقطاع المصارف في سورية هو قطاع لبناني». لطرابلس في نظر المشاركين أهمية كبرى في إعادة إعمار سورية، نظراً إلى ما تتمتّع به من بنى تحتية كاملة، تشكّل ضرورة للقيام بأي نهضة إنمائية، كمرفأ ومنطقة اقتصادية خاصة وشبكات مياه واتّصالات. المعطيات والمؤشرات المتوافرة بحسب رئيس مجلس أمناء جامعة العزم في طرابلس عبد الإله ميقاتي، تؤكد وجود قرار دولي جدي باعتماد عاصمة الشمال، منصة لإعادة إعمار سورية. ونظراً إلى كون طرابلس بمثابة الامتداد الجغرافي لمدينة حمص والمناطق الساحلية يعوّل المشاركون على أهمية المنطقة الاقتصادية قيد الإنشاء في طرابلس لما ستتمتّع به من مؤسسات صناعية - أضعف القطاعات في سورية - بصناعات غير ملوّثة لا تستغرق مساحات كبيرة ومؤسسات تكنولوجية، ما سيخلق فرص عمل أيضاً للشباب اللبناني، كما أكد أحد منظمي المنتدى أنطوان حداد. ويتفق المشاركون على ضرورة الجاهزية اللبنانية لإعادة الإعمار.