صدر عن «مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع» كتاب «حكايات وراء الأغاني زمن الفن الجميل» للشاعر مصطفى الضمراني، يستعرض فيه تجربته كمعاصر ومتابع لأكبر نهضة موسيقية غنائية قادتها مصر وانتشرت في كل أرجاء الوطن العربي. توقف الضمراني في أحد أجزاء الكتاب عند أول لقاء للموسيقار محمد عبد الوهاب مع أم كلثوم في رائعة أحمد شفيق كامل «إنت عمري» وروى قصة اختيار عبد الوهاب شكل الأغنية التي جمعته للمرة الأولى مع كوكب الشرق، وأسباب تخوفه من خوض هذه التجربة، وتفضيله أم كلثوم على نفسه ومنحها كلمات الأغنية واكتفائه بتلحينها على رغم أنها كانت في الأصل مكتوبة ليغنيها هو. وتحدث عن قصة اكتشاف بليغ حمدي ملحناً في سن السادسة والعشرين وقصة استماع أم كلثوم إليه في فيلتها وهو يغني بصوته الجميل أغنية «حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه» لعبد الوهاب محمد، ليحفظها ابن شقيقتها وتختارها لنفسها وتفتح بها لبليغ وعبد الوهاب محمد أبواب الشهرة. ويشير الضمراني إلى الصدفة التي جعلت عبد الوهاب محمد يقدم لأم كلثوم ثلاث أغنيات أخرى من كلماته عندما نسي الأجندة التي يدوّن فيها كلمات أغانيه في صالون فيلتها، فاختارت ثلاث أغنيات منها قدمتها في مواسم لاحقة. وكشف قصة توقف قصيدة «الأطلال» للشاعر إبراهيم ناجي لمدة أربع سنوات بسبب خصام وقطيعة بين رياض السنباطي وأم كلثوم التي كانت اعترضت على «قفلة» الأغنية في نهاية «الكوبليه» الأخير «لا تقل شئنا فإن الحظ شاء» وقالت للسنباطي: «الطبقة عالية يا رياض عايزاك تعدلها»، فغضب وألقى بعوده على الأرض وخرج مسرعاً من منزلها مستاءً من موقفها الذي لم يعتاده من قبل وهي التي تربت على ألحانه ولم تعترض مرة على نغمة واحدة طوال نصف قرن. ويوضح الضمراني كيف فشلت محاولات مصالحتهما طوال هذه المدة لتتم في النهاية بشروط السنباطي فأدت الأغنية من دون تعديل وحققت نجاحاً منقطع النظير خصوصاً في الكوبلية الأخير. وتوقف عند أول تعاون جمع بين أم كلثوم وسيد مكاوي الذي كان يتساءل دائماً عن عدم تعاونه معها باعتبارها المقياس الحقيقي لنجاح أي فنان، وكيف أنها هاتفته والتقيا في اليوم التالي وعرض عليها أغنية «يا مسهرني» وكيف طالب عند بداية التسجيل باستبعاد جميع الآلات الغربية من الفرقة، وأسعدت هذه المفاجأة أم كلثوم بشدة. ورصد الضمراني قصة الخلاف الذي نشب بين عبد الحليم حافظ ورفيق مشواره الموسيقي محمد الموجي والذي أدى إلى قطيعة بينهما استمرت سنوات عدة، حتى جاءت قصيدة «رسالة من تحت الماء» للشاعر نزار قباني. ويروي المشاكل والصعاب التي واجهت أغنية «أيظن» ابتداء من مشكلة احتكار شركة محمد فوزي «مصر فون» لصوت نجاة، واحتكار ألحان عبد الوهاب لشركة «كايروفون» وتعطل تسجيل الأغنية حتى اجتمع نزار قباني ونجاة وعبد الوهاب وقرروا تسجيل الأغنية للتلفزيون، وكانت المشكلة الأكبر في ظهور القصيدة بصوت عبد الوهاب في الأسواق ما أغضب نجاة ونزار. ويوضح حكاية الانقطاع الذي دام أكثر من ثماني سنوات بين عبد الوهاب وفايزة أحمد، بعد أغنيتهما الشهيرة «بصراحة» التي أحدثت دوياً كبيراً في الأوساط الغنائية وهي من كلمات حسين السيد الذي جاء ذات يوم وعرض عليه كلمات أغنية «وقدرت تهجر» فشعر عبد الوهاب أن هذه الكلمات تصلح لتغنيها فايزة. وبالفعل عرضها عليها، وغنتها، وحققت نجاحاً كبيراً. وتوقف عند الأسباب التي اضطرت بليغ حمدي إلى السفر خارج البلاد لمدة 5 سنوات، وكيف أن هذه السنوات المليئة بمرارة الغربة فجرت شاعريته عندما كتب كلمات أغنية «أنا بعشقك» لميادة الحناوي، والتي حققت نجاحاً دفع الفنانة السورية لتطلب اليه تلحين أغنية أخرى تفتتح بها موسمها الغنائي، وفاجأها بأغنية «الحب اللي كان» التي أشاد كل من سمعها بأن بليغ كان في أعلى قمته كشاعر مبدع عند كتابتها. ويكشف الضمراني كيف كانت كلمات الرئيس السادات «محدش يسأل مصر ادتو إيه، إحنا نسأل نفسنا الآن حندي إيه لمصر، لا بد أن يتكاتف كل الشعب مع مصر في هذه الظروف لنرد لها اعتبارها، وننسى أنفسنا في سبيل نهضتها وانتصارها» حافزاً له لكتابة كلمات أغنية «حبايب مصر» ومقابلته مع حلمي بكر الذي لحنها في جلسة واحدة على رغم مرضه، والصدفة التي قادتهما الى عليا التونسية لتكون الأغنية من نصيبها. وعقب تسجيل الأغنية بيوم واحد أعلن «بيان العبور» لتتم إذاعة الأغنية احتفالاً بنصر «أكتوبر» وتنتشر عبر الإذاعات وتصبح نشيد الصباح في المدارس.