يواصل المخرج محمد عبد العزيز تصوير فيلمه الروائي الطويل الثاني «دمشق مع حبي» على أن ينجزه خلال الفترة المقبلة لتبدأ عروضه. ومحمد عبد العزيز المولود لأب سوري وأم تركية يرى إن «البطل الحقيقي في السينما السورية اليوم هو المنتج الذي يغامر بأمواله في سوق المجهول». ولا يخفي المخرج السوري إنه لم تعد تربطه علاقة من أي نوع بفيلمه الأول «2/1 ملغ نيكوتين» الذي حصد ثلاث جوائز في مهرجان باري الإيطالي، ورشح لمهرجانات عدة، لكنه لم يتمكن من عرضه جماهيرياً حتى اللحظة على الجمهور السوري « لأسباب لا أعرفها». هنا حوار مع محمد عبد العزيز صاحب الفيلمين الروائيين الطويلين اللذين أنتجهما مواطنه السوري نبيل طعمة « الذي يواصل مغامرته المحفوفة بالأخطار في مجال الإنتاج السينمائي « بحسب المخرج الشاب. يشارك في الفيلم : مرح جبر وخالد تاجا وفارس الحلو وبيير داغر وجهاد سعد ويدير التصوير فيه وائل عز الدين. مع «دمشق مع حبي» هل يمكن القول إن المخرج السوري بدأ مساعيه لينصف هذه المدينة سينمائياً؟ - فيلمي لايحاكي دمشق وحدها حتى نكون صريحين. دمشق هي الإطار العام، أو الخط الرئيس فيه، وإن كانت باعتقادي مدينة تحوي أجزاء خفية بداخلها يمكنني من خلالها أن أعمل فيلماً يحمل كل سمات السينما التي قد لا تبدو مألوفة. أين يكمن الاعتقاد بوجوب خروج فيلمك عن المألوف السينمائي السوري؟ - لا أستطيع أن أقول هذا، ولكنني أعتقد أن الجمهور والنقّاد سيكون بوسعهم التقاط هذه العناصر بعد مشاهدة الفيلم وليس قبل ذلك، لأنني أعول تماماً على هذه الأجزاء الخفية من دمشق. ما هو المغري في هذا الجزء الخفي، وبخاصة أن سورية هي بلد الدراما التلفزيونية، والدراما الشامية منها على وجه الخصوص؟ - أعتقد أن الدراما التلفزيونية مثل أسد السيرك يهمهم من كثرة المران والعادة والثرثرة، لكنه يفتقد روح اقتناص الفريسة. هذه الدراما عموماً غير قادرة على الغوص في مسائل فكرية وذهنية تعيد صياغة مفاهيمنا حول الزمان والمكان، فهذه من آليات عمل السينما وليس التلفزيون . المغري بالنسبة إلي هو السينما كآلية قادرة على الغوص في هذه المسائل، وتفكيك وتحليل وإعادة تشكيل مفاهيمنا حول الآخرين في الإطارين الزماني والمكاني لدمشق، وهذا ما أعتمد عليه ويغريني في هذا الفيلم. دق الأبواب لماذا الآن «دمشق مع حبي»؟ - تعلم أن انتاج فيلم سينمائي سوري يتطلب دقّ أبواب كثيرة غير متوافرة في مثل حالتنا. وربما من حسن حظ هذا الفيلم أنه تقاطع في هذه البرهة الزمنية مع مشاريع المنتج نبيل طعمة الذي يبدو أنه لديه رغبة في نفخ الروح في السينما السورية الغائبة تماماً عن الجمهور وعن الصالات. تجربة المؤسسة العامة للسينما ألم تكن كافية؟ - بالتأكيد لم تكن كافية، وإذا لم يدخل القطاع الخاص على خط الإنتاج، فلن يكون هناك سينما سورية. ما هي مشكلة فيلمك « 2/1 ملغ نيكوتين» مع الرقابة؟ - الفيلم جرى تقديمه إلى مهرجان دمشق السينمائي في دورته الماضية، وللأمانة، فإن مدير المؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد شجّع الفيلم وأحبّه، ولكن لجنة المشاهدة لم تقرّه، لا في المسابقة الرسمية للمهرجان، ولا على هامشه، وهو قد ظلّ أسير العلب إلى درجة أنه أحبط المنتج، لأننا في لحظة ما فقدنا صلة الوصل مع السوريين ومع مهرجان دمشق حتى فاز الفيلم أخيراً بثلاث جوائز في مهرجان باري الإيطالي، وجرى ترشيحه الآن لثلاثة مهرجانات في اسبانيا وسان فرنسيسكو وليل بفرنسا . تردد أن هناك مشكلة مع الفيلم مرتبطة ب «نخبويته»؟! - هذا شيء لاحظته فقط عند الصحافيين السوريين . ولكن الفيلم عرض في مهرجان دبي الماضي ولقي صدى طيباً. هناك نخبوية فيه ولكن هذا لا يمنع مشاهدته. وأنا كي أكون صريحاً، لا أخفي أنني منفصل عن فيلمي، ولا أستطيع أن أدافع عنه، لأنني لست وفياً لتجاربي. قد يفهم من عدم وفائك لتجربتك أنك غير وفي للسينما السورية نفسها؟ - لا أعتقد ذلك. ماذكرته نابع من عدم رغبتي في البقاء ثابتاً ضمن دائرة نمط محدد للسينما، فأنا دائماً أحب أن أكسر القالب في محاولة بناء نمط جديد في السينما . وبما يخص السينما السورية، فالأفلام الجيدة فيها ليست أكثر من أربعة أفلام. وفيلمك هو الخامس؟! - لا أبداً ... لا أقول ذلك. الذكاء والرقيب لماذا يحرص بعض المخرجين السوريين دائماً على أن يظهروا بأنهم أذكى من الرقيب عبر تصريحات استفزازية تؤثر في كثير من الأحيان على أعمال آخرين؟ يجب على المخرج دائماً أن يكون أذكى من الرقيب، وأنا ضد كل أشكال الرقابة، ولكن مع فيلم «دمشق مع حبي» صدمت بالرأي الفني للرقابة السورية التي حللت الفيلم بطريقة حسبت نفسي معها أنني كنت غافلاً عن الإلمام بها. على أية حال هذا النوع من الرقابة ضروري وجوده بيننا. لماذا تعتقد بأهمية وجوده؟ - لأنني أجزم أن فيلمي هو في الآونة الأخيرة من أكثر الأفلام اشكالية، وعلى رغم هذا فإن الرقابة حذفت فقط جزءاً من مشهد لم يؤثر أبداً على بنيته و «نوهت» بحذف جملة من الحوار فقط. أعتقد عموماً أن هناك تطوراً كبيراً في عقلية الرقيب السوري، وأنا من خلال تجربتي لا أدخل معه في معارك مجانية ربما تؤثر على مشروعي ومشاريع آخرين. إذا أردنا أن نحكي عن خصوصية «دمشق مع حبي» فأين نجدها؟ - عندما يعرض الفيلم أظن أن خصوصيته ستكمن في ثلاثة جوانب. الجانب الأول هو مدى اتساع الثقافة السورية لدرجة تتسع للجميع. والجانب الثاني، على رغم أن الفيلم ليس سياسياً، ولا يتطرق إلى أي جانب سياسي، إلا أنه سيقرأ على أنه ثمرة نضوج سياسي في سورية. والجانب الثالث يكمن في أنه لأول مرة تصنع فيلماً وتأخذ الجمهور السوري في الحسبان. الذين سبقوك من المخرجين السوريين ألم يأخذوا هذا الجمهور في الاعتبار؟ لا أبداً، بما في ذلك فيلمي الروائي الطويل الأول «2/1 ملغ نيكوتين». ولكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك بعض الأفلام السورية التي انتبهت إلى هذا الجمهور مثل فيلم «رسائل شفهية» لعبد اللطيف عبد الحميد، فقد كان فيلماً جماهيرياً لم يتكرر ثانية مع مخرج آخر للأسف. هل يقودنا هذا إلى محاولة تلمس أزمة السينما السورية؟ - السينما السورية كلها أزمات، هناك فيلم سوري وليس سينما سورية. نحن لم نستطع أن نصنع تيارات ومدارس واتجاهات، وبالتالي فإن الحديث عن الأزمات الخاصة بهذه السينما يجب أن نفرد له صفحات كثيرة.