ماما سلوى. هكذا طلبت مني أن أناديها. السيدة التي قابلتها في معرض فني، وقالت لي أنها كانت مهندسة ديكور في مبنى الإذاعة والتلفزيون وعلى المعاش الآن. كانت قد أعطتني رقم تليفونها الأرضي، لأنها لا تحب أن تستخدم الموبايل. وكنتُ أكلمها من فترة إلى أخرى. تحكي لي عن حالاتها الروحية، وأحلامها، وأحكي لها أنا أيضاً أحلامي القليلة، فكانت تفسرها لي. قابلتُها في أكثر من معرض وأرتني بعض لوحاتها التي كانت تضعها على «فلاشة» لا تفارق شنطتها، وذلك على «اللاب توب» الخاص بي، وقالت لي ساعتها: - أما يا واد يا حسن ربنا عمل لي شوية حاجات ماتخطرش على بال حد، بس مشكلتي ساعات مش بيبقى معايا فلوس أنزل حتى من بيتي ولا أجيب علاجي. - طب ليه، ما دام طالعة على درجة كبير مهندسين؟ حقك تاخدي علاجك من المبنى.- إنت عبيط قوي. - ليه بس يا ماما سلوى؟ - أنا واخده حقي تالت ومتلت. ربنا مراضيني ومبحبحها عليا. كانت أعمالها الفنية جيدة، ولكنها غير مبهرة ولا تتبع أسلوباً فنياً محدداً. دعتني لحضور مولد السيد البدوي. ركبنا معاً من رمسيس، وذهبنا إلى المولد. كان يوماً جميلاً وقد تعرفتُ على الكثير من أصدقائها الذين يذهبون معها إلى كل الموالد والحضرات. أساتذة جامعة وموظفون وأصحاب أعمال صغيرة وأصحاب ورش وأرباب معاشات. كان الجميع ينادونها: ماما سلوى. كنتُ قد عرفتُ أنها تسكن في شارع البحر، وأنها لم تتزوج لأنها كانت تصرف على تعليم إخوتها، ومَشيت في الطريق، وتركت كل شيء. وجدتُ في أحد الأيام خبراً منشوراً عن موت سيدة مسنّة كانت تعمل في الإذاعة والتلفزيون، تسكن في شارع البحر، وكان القتل بدافع السرقة. ترحمتُ عليها وذهبتُ في العام نفسه إلى مولد السيد البدوي. وبينما كنتُ أخرج من الجامع بعد زيارة المقام، وجدتُها تمشي في شوارع طنطا بنظارتها الكبيرة والطاقية الخضراء التي كانت تعتز بها. حاولتُ أن أقترب منها لأكلمها، ولكنها كانت قد ابتعدت عني في الزحام.