«أقسم أنني لن أفعل أي شيء، ولن أؤذي أي شخص. كل ما في الأمر أنني أريد الدخول إلى حسابي الشخصي في البنك، ثم أضيف صفراً أو إثنين، و... أنسحب بهدوء». انفجر بالضحك ذلك المهندس الذي عيّنته شركة «إي أم سي2» مشرِفاً على ال»هاكاثون» Hackathon، مع النفر القليل من مهندسي الكومبيوتر القريبين منه. «صحيح أنني قلت لك أن ال «هاكاثون» هو المساحة التي نعلّم فيها الناس القيام ب«أشياء قذرة»، لكن ليس ما أشرت إليه أبداً»، ردّ المُشرِف ضاحكاً. ونظر إلى ال «بادج» المعلّق في رقبتي، ودقّق في اسمي المكتوب بالإنكليزيّة محاولاً إعادة نطقه. وسألني عن المنطقة التي قدمت منها. «الشرق الأوسط»، قلت ثم أضفت: «حسناً. إنه أمر سهل. هناك الشرق كما تعلم، ثم وسطه». واصل محدّثي الضحك قائلاً: «ربما يكون ذلك «ميريلاند»، في إشارة منه إلى تلك الولاية التي تتوسّط منطقة الشرق في الولاياتالمتحدة. وقبل أن تتلاشى ضحكته، نادى شخصين بدا من إسميهما أنهما عربيّان، مبيّناً أنهما سيوضحان لي ما الذي يجري في ال «هاكاثون». ويأتي اسم «هاكاثون» من دمج مصطلحين هما: «هاكرز» Hackers بمعنى المجموعات المتمرّسة في الكومبيوتر إلى حدّ أنها تخترق حواسيب الآخرين وتسيطر عليها، و«ماراثون» Marathon وهو السباق الرياضي المعروف في الجري للمسافات الطويلة. واستخدم المصطلح للمرّة الأولى في الولاياتالمتحدة في العام 1999، على لسان مختصّين من شركة «صن مايكروسيستمز» Sun Micro Systems ومهندسي كومبيوتر من «جامعة بيركلي» الأميركي صنعوا نظاماً مفتوح المصدر لتشغيل الكومبيوتر حمل اسم تلك الجامعة، واشتهر باسمه المختصر «بي إس دي» BSD. لسنا «هاكرز» منذ مدّة، تدأب شركات كبرى في الكومبيوتر والانترنت على رعاية فاعليّات تحمل ذلك الاسم. إذ تستضيف فيها محترفي كومبيوتر يمارسون ما يسمّى بال «هاكينغ الأخلاقي» («إيثيكال هاكينغ» Ethical Hacking)، بمعنى أنهم يخترقون نُظُم الكومبيوتر وبرامجه، ويعملون على السيطرة على الحواسيب، تحت إشراف شركات المعلوماتيّة. ويؤدّي ذلك إلى تعمّق الشركات في معرفة أساليب الاختراق وسُبُله، ما يزيد من تمكّنها في صنع نُظُمٍ دفاعيّة مناسبة. وطريّ في الذاكرة أنّه في العام 2015، صدم أحد ل «هاكرز» عوالم المعلوماتيّة والاتصالات والصناعة سويّة، عندما تمكّن أثناء «هاكاثون» من السيطرة على سيّارة حديثة رباعيّة الدفع، تحتوي تجهيزات إلكترونيّة متقدّمة، بل أخرج السيارة عن مسارها بالضد من إرادة سائقها الذي لم يكن يعرف سبباً لما يحصل لسيارته! في حدث ال «هاكاثون» الذي جرى في مدينة «لاس فيغاس» الشهر الجاري، استهل مهندس الكومبيوتر المصري أحمد عبدالصمد حديثه بالإشارة إلى وجود 6 أنواع «هاكاثون» ترعاها شركة «إي أم سي2» سويّة، ضمن مؤتمرها المُكرّس لاندماجها مع شركة «ديل». وأوضح أن المشاركين ليسوا من ال«هاكرز»، بل هم مهندسو كومبيوتر، يعملون على تدريب المشاركين على كيفيّة التعامل مع أدوات تقنيّة تصنعها «إي أم سي2» وهي تعطيهم القدرة على كتابة شيفرة رقميّة تستطيع التعامل مع المنصّة التي تربط بين تطبيقات ك «وورد»، «إكسل»، و«باور بوينت» من جهة، ونظام التشغيل الأساسي في الكومبيوتر من الجهة الثانية. يطلق على تلك المنصّة إسم «إيه بي آي» API، اختصاراً لعبارة Applications Programmes Interface. ووفق عبدالصمد، يركّز التدريب الجاري في ال «هاكاثون» على أداة «دوكيومنتوم» Documentum الشهيرة لإدارة المحتوى المتعلّق بالشركات، وتصنعها «إي أم سي2». وتتكامل مع أدوات رقميّة من الشركة عينها، خصوصاً أداة «سبرنغ داتا إي بي أي» Spring Data API من «إي أم سي2» التي تتميّز بأنها تستند إلى نظام مفتوح المصدر. ومع كثير من الضحك، لفت عبدالصمد إلى أن التدريب يعلّم المشاركين صنع تطبيقات خاصة بهم، وكتابة شيفرتها رقميّاً، عبر استخدام تلك الأدوات. وضرب مثلاً على ذلك بأداة اسمها «فايل مانجر» التي صنعها فريق من «إي أم سي2» في القاهرة، وباتت ركناً أساسيّاً في ذلك النوع من التدريب. تعلّم التعلّم! وصف عبدالصمد ال «فايل مانجر» بأنها «منصة تفاعل مع المستخدم» User Interface، تعمل بثلاث لغات لبرمجة الكومبيوتر من بينها لغة «جافا» Java الشهيرة، وكذلك تتكامل «فايل مانجر» مع «دوكيومنتوم». وبالنتيجة، يستطيع المشاركون خلال 4 ساعات من كتابة شيفرة تطبيق رقمي يستطيع التحكّم في تطبيقات الكومبيوتر كافة. أليس ذلك من أفعال ال «هاكرز»؟ سألته ممازحاً، فرد ضاحكاً بأنها تساعد على الوقاية من هجمات ال «هاكرز» أيضاً. وأشار عبدالصمد إلى أنّه خريج «الجامعة الألمانيّة» في مصر، وحاصل على ماجيستر في علوم الكومبيوتر وبرامجه من تلك الجامعة. وبيّن عبدالصمد أنه مع نشر تعليم التشفير والبرمجة في المدارس، بداية من المراحل الإبتدائيّة، معتبراً أن الشيء الأساسي هو أن ذلك كفيل بأن يعلّم الناس كيف يتعلّمون بأنفسهم، إضافة إلى تعليم آلة صمّاء هي الحاسوب. والتقط زميله المصري محمد المليجي الخيط ليوضح أنه يعمل مع فريق إداري في «إي أم سي2»، وجميعهم يجيد كتابة الشيفرة. وبيّن المليجي أنه خريج «جامعة السادات للعلوم الإداريّة» في مصر، وحاصل على ماجيستر من جامعة «إيثكاسكا الفرنسيّة»، مبيّناً أنه يجيد اللغة الألمانيّة وليس الفرنسية. وشدّد المليجي على الاهتمام الفائق الذي توليه الولايات المتحدّة لتعليم الأطفال كتابة الشيفرة في المدارس الابتدائية، باستخدام أشياء متنوّعة تشمل «رازبري باي» Pi Raspberry، بل حتى أنواع تعليميّة من الألعاب الإلكترونيّة. وختم المليجي مشدداً على علاقة الاعتماد المتبادل بين أمن الكومبيوتر والتشفير، مؤيّداً أيضاً نشر تعلّم الشيفرة في مدارس مصر والبلدان الأخرى العربيّة.