اضطرت عائلة منصور الحاج لدفع فدية قدرها 200 ألف ريال (800 دولار) مقابل إطلاق ابنها أيمن (18 سنة) الذي اختطفته ميليشيا الحوثيين الشهر الماضي في صنعاء، فيما أجبر معاذ محمد غالب ( 36 سنة) على ترك زوجته وأطفاله في مديرية تبن في محافظة لحج جنوب اليمن، بعد أن قبض عليه مطلع الشهر الجاري مع آلاف الشماليين الذين طردوا من عدن ومناطق جنوبية في عملية تهجير غير مسبوقة لم تمنعها حكومة شرعية. يلتقي أيمن ومعاذ في الانتماء إلى محافظة تعز (وسط) ويختلفان في كون الفاعل في الحال الأولى ميليشيا انقلابية تسيطر على محافظات شمالية عدة بينها العاصمة صنعاء وتمارس أعمالاً غير قانونية مثل خطف مدنيين واحتجازهم لمساومة ذويهم على دفع فدية مالية، تحققت «الحياة» من 4 حالات بينها حالة أيمن. بينما مرتكب ترحيل معاذ وآلاف الشماليين قوة أمنية ترضى عنها الحكومة المعترف بها دولياً. ولئن لازم التهجير سلوك ميليشيا الحوثيين (حركة أنصار الله) الشيعية التي سبق أن «طهرت» محافظتي صعدة وعمران من أبناء الطائفة اليهودية في 2007 ومن السلفيين السنّة في 2012، يبقى مستغرباً ممارسة الحكومة اليمنية أساليب غير قانونية مثل تهجير مواطنين يمنيين على غرار ما شهدته عدن منذ 7 أيار (مايو) الجاري. وكان تنظيم «القاعدة» الذي سيطر على حضرموت في وقت سابق طرد الشماليين وألزم بعضهم بكتابة تعهدات بعدم العودة. وفيما تقول الحكومة أن الحملة في عدن تندرج ضمن خطة أمنية وافق عليها الرئيس عبدربه منصور هادي واستهدفت الذين لا يحملون بطاقات هوية من الشماليين والجنوبيين على السواء، أكدت مصادر قانونية ل»الحياة» أن تهجير مواطنين يمنيين مخالف للقوانين الوطنية والدولية، موضحة أنه حتى في حال وجود مشتبه بهم أو أشخاص لا يملكون أوراقاً ثبوتية، فإن القضاء وحده هو المعني بإصدار قرار الترحيل، خصوصاً أن الحكومة لم تعلن حال الطوارئ. صباح 11 أيار كان معاذ محمد غالب المدرس في المعهد الزراعي التجاري (يتبع وزارة التعليم التقني) في مديرية تبن في محافظة لحج، على متن سيارة ركاب متجهة إلى عدن عندما طلب أفراد نقطة الرباط العسكرية من الركاب إبراز أوراق الهوية. «أعادوا إلى الجميع بطاقاتهم الشخصية باستثنائي»، يقول معاذ، شارحاً عملية احتجازه وترحيله في اليوم نفسه مع عشرات الشماليين إلى منطقة الحبيلين القريبة من الحدود التي كانت تفصل بين الشمال والجنوب قبل قيام الوحدة في 1990. وعلى رغم وصول جنوبيين إلى مراكز عليا في الدولة مثل رئاسة الجمهورية والحكومة واستمرار محافظات شمالية في مقاومة الانقلاب المسلح الذي تنفذه منذ أيلول (سبتمبر) 2014 ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، لم يخفف ذلك من النزعة الانفصالية لدى كثير من الجنوبيين. ويأخذ شماليون على النخبة الجنوبية محاولتها تبرير عملية تهجير الشماليين التي طاولت أيضاً أساتذة جامعيين وطلاباً. «لم أتوقع ترحيلهم بهذه السرعة والعشوائية، وما ساءني حقاً هو الأسلوب المناطقي»، يقول الناشط الحقوقي أحمد الوافي الذي تابع ميدانياً حملة ترحيل الشماليين منذ اليوم الثاني لانطلاقها. ويؤكد الوافي ما ذكره شهود عيان وضحايا عن استخدام معسكرات تابعة للحكومة في عدن لتجميع شماليين وترحيلهم. يقول الوافي: «عندما وصلت إلى المعسكر أخبرت مسؤولي البوابة أن معظم المحتجزين يملكون بطاقات هوية، لكن ضباطاً وجنوداً أكدوا أن لا تراجع عن ترحيل الدحابشة»، وهي التسمية التي يطلقها جنوبيون على الشماليين. وخلال السنوات الماضية شهدت مناطق جنوبية عدة مضايقات لمواطنين شماليين وصلت إلى درجة الاعتداء وإحراق محلاتهم التجارية من قبل جماعات مسلحة يعتقد بتبعيتها للحراك الجنوبي المطالب باستعادة الدولة الجنوبية. ويذكر معاذ غالب أنه أخبر ضابط النقطة العسكرية بأنه يعمل في الجنوب منذ 2011 طالباً من الضابط أن يسمح له باصطحاب عائلته، لكن الضابط رفض طلبه قائلاً: يكفيكم 20 عاماً» في إشارة إلى ما يصفه انفصاليون بأنه احتلال شمالي للجنوب منذ هزيمة القوات الجنوبية في حرب صيف 1994 الأهلية. وتزامن تهجير الشماليين مع مبادرة تقدمت بها قيادات جنوبية إلى رعاة الحوار اليمني- اليمني المنعقد في الكويت تقترح دولة يمنية اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي، علماً أن مرجعية حوار الكويت تتمثل بقرار مجلس الأمن 2216 ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي سبق وأقر دولة اتحادية من 6 أقاليم. شكراً سلمان تعد تعز أكبر المحافظات اليمنية في عدد السكان وفي نسبة المتعلمين. وغالبية التعزيين يعملون في مهن حرفية والخدمات والتجارة والإدارة والسياسة. إلا أن مشاركة تعز في صناعة القرار السياسي ما زالت ضعيفة وحضورها في الجيش ضئيل جداً. ويشكو أبناء تعز من ترك مدينتهم فريسة للميليشيا الانقلابية التي تواصل منذ شهور حصار المدينة ما تسبب في كارثة إنسانية وفق منظمات دولية. ويقول بعضهم أن ميليشيا الحوثيين وصالح تدمر تعز انتقاماً من أبنائها لرفضهم الانقلاب وتأييدهم «عاصفة الحزم» من خلال مسيرات خرجت في آذار (مارس) 2015. ويخشى تعزيون من أي إخلال بوثائق الحوار الوطني ومن ذلك تقسيم البلاد إلى إقليمين شمالي وجنوبي الأمر الذي من شأنه إبقاء محافظتهم فريسة للقوتين النافذتين في الشمال والجنوب. ويتهم متعصبون جنوبيون التعزيين بعزل «الجنوب العربي» عن محيطه الخليجي معتبرين الحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم جنوب اليمن حتى 1990 تعزياً منذ نشأته، فيما يتهم متعصبون في المذهب الزيدي «اللغالغة»، ويقصد بهم أبناء تعز، بالوقوف وراء جمهورية 1962 التي أطاحت حكم الأئمة الهاشميين الذين حكموا شمال اليمن لأكثر من 1000 عام وبإشعال «ثورة 11 فبراير» 2011 الشبابية السلمية التي أجبرت الرئيس علي عبدالله صالح على التنحي عن السلطة بعد 33 عاماً من الحكم. عملة مليشيوية وصار واضحاً تشابه سلوك كل من ميليشيا الحوثيين وصالح في الشمال والفصائل المسلحة في الجنوب، سواء لجهة استغلال انهيار الدولة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية أم لجهة القمع والاعتقال خارج القانون. ويذكر نوفل الدبعي ل «الحياة» أن عائلته دفعت 400 ألف ريال (1600 دولار) فدية مقابل الإفراج عن شقيقه محمد الذي قبض عليه قبل شهرين في منطقة رداع من دون تهمة سوى انتمائه إلى تعز، فيما أفاد أحمد الوافي بأن عمليات استهداف وتهجير الشماليين في عدن شاركت فيها قوات أمنية وعسكرية مدعومة بعربات مدرعة إضافة إلى مجاميع مسلحة وبلطجية مارسوا النهب وابتزاز تجار شماليين. يذكر أن 4 من 26 شمالياً احتجزتهم قوة رسمية في مقر المجلس المحلي في مديرية المنصورة أفرج عنهم مقابل فدية مالية. وبات الاعتقال بحسب الهوية والحصول على فدى مالية، عملة مليشيوية وسلوكاً جامعاً لمختلف الأطراف بما فيها المقاومة الشعبية في تعز. وأكد ل «الحياة» عضو مؤتمر الحوار والقيادي في حزب التجمع الوحدوي اليساري، أحمد كلز، وهو من أبناء منطقة رداع (جنوبصنعاء) تدخله مع عدد من أبناء المنطقة للإفراج عن أكثر من 300 شخص غالبيتهم من أبناء تعز احتجزتهم ميليشيا الحوثيين وصالح الانقلابية من دون تهمة سوى هويتهم التعزية. وتتهم القوى السياسية المتصارعة على السلطة بتوظيف النزعات المذهبية والجهوية ما تسبب في تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني. وهي نتيجة غير متوقعة من «الحركة الوطنية اليمنية» التي تأسست قبل 6 عقود منطلقة من مبدأ توحيد النضال على المستوى الوطني والقومي، وبعض الجماعات المذهبية والانفصالية الناشطة اليوم خرجت من عباءة أيديولوجيات قومية وأممية يسارية. وفي حين لمّح محسوبون على الحراك الجنوبي إلى وقوف الجماعات السلفية المسلحة وراء ترحيل الشماليين من الجنوب، أكدت مصادر محايدة مشاركة جميع الفصائل في الجنوب في عملية الترحيل. وتستغرب الناشطة إشراق فضل تهجير شماليين في عدن وتقول ل «الحياة»: لو افترضنا أن هناك إرهابيين فإن طردهم إلى مناطق يمنية أخرى لا يحل المشكلة». وفيما أفادت مصادر متطابقة «الحياة» بأن ما لا يقل عن 20 شخصاً من الذين تم ترحيلهم عبر منفذ الشريجة الراهدة الذي تسيطر عليه ميليشيا الحوثيين وصالح انضموا إلى الميليشيا الانقلابية، تشير معلومات إلى انتعاش ظاهرة تهريب الأشخاص إلى عدن مقابل مبالغ تتراوح بين 8 و20 ألف ريال عن الفرد الواحد. أخيراً تنبهت الرئاسة اليمنية فأوقفت عملية التهجير الى الشمال من دون مفعول رجعي.