اغتنمت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إحياء الذكرى المئوية لمعركة فردان، للتأكيد أن صداقة بلديهما تشكّل أملاً لأوروبا المتشظية، وسعيهما إلى إعادة إطلاق «المثال الأوروبي». ومعركة فردان شرق فرنسا هي الأطول خلال الحرب العالمية الأولى، وواحدة من أكثرها دموية، إذ دامت أكثر من 300 يوم، من شباط (فبراير) إلى كانون الأول (ديسمبر) 1916، وأدت إلى مقتل 163 ألف جندي فرنسي و143 ألف جندي ألماني وجرح مئات الآلاف. وشهدت المعركة إطلاق نحو 60 مليون قذيفة، علماًَ أن واحدة من كل أربع لم تنفجر. ولم يُعَد بناء قرى خط المواجهة التي دُمرت خلال القتال، كما أن منطقة المعركة ما زالت تحوي ملايين القذائف غير المنفجرة، ما يجعلها خطرة، حيث أن السكن والزراعة ما زالا ممنوعين فيها. وإذ توفي آخر شاهد على المعركة عام 2008، ركّزت الاحتفالات أمس، على تثقيف الشباب حول أهوال الحرب وتبعاتها. وشارك 4 آلاف فتى فرنسي وألماني في إحياء الذكرى، خلال زيارة هولاند ومركل مستودع «دوومون» الضخم حيث تُحفظ رفات 130 ألف جندي من البلدين. ولم يجرِ إحياء الذكرى في مراسم مشتركة بين باريس وبرلين، قبل العام 1984 حين تحوّلت صورة للرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا ميتران والمستشار الألماني حينذاك هلموت كول وهما واقفان يداً بيد أمام «دوومون»، رمزاً للمصالحة بين البلدين اللذين خاضا حروباً كثيرة. وقال هولاند لمراهق أبلغه أن جده تعرّض لغاز خلال الحرب العالمية الأولى، إن «الغاز ذاته» استُخِدم في سورية أخيراً، في إشارة إلى اتهام نظام الرئيس بشار الأسد باستخدام أسلحة كيماوية عام 2013. وأمضى هولاند ومركل «موعداً» استمر يوماً كاملاً معاً. ففي الصباح حمل الرئيس الفرنسي مظلّة حمته والمستشارة الألمانية من مطر غزير، في مقبرة «كونسوفوا» قرب فردان، حيث دُفن 11148 جندياً ألمانياً. ووضعا إكليلاً من زهور، يرافقهما أربعة فتيان ألمان وفرنسيين. وبعد الغداء، زارا متحف فردان الذي جُدِّد حديثاً، وأُعيد افتتاحه في شباط الماضي، وحيث يطّلع الزوار على «جحيم فردان»، من خلال أغراض الجنود ووثائقهم وصورهم، كما يمكنهم رؤية ساحة المعركة. وأشاد الرئيس الفرنسي بمدينة فردان، بوصفها «عاصمة السلام»، معتبراً أنها «تُكرّم للمرة الأولى، لا على معاناتها الماضية، بل على رسالة الأمل التي تجسّدها». وتابع: «فردان مدينة تمثّل في وقت واحد، الأسوأ، حين خسرت أوروبا نفسها قبل مئة عام، والأفضل، حين تمكّنت من الاتحاد من أجل السلام والصداقة الفرنسية - الألمانية. تحيا روح فردان». ووسط تزايد الدعم لأحزاب يمينية متطرفة وتفاقم الانقسامات بين الدول الأوروبية حول كيفية التعامل مع اللاجئين، قال هولاند إنه يريد أن يعمل مع مركل ل «إعادة إطلاق المثال الأوروبي». وأضاف أنه يريد أن يجعل من الذكرى رسالة ل «تنوير العالم»، في ضوء تاريخ «انتحار» الأمم التي تسقط في «دوامة النزعة القومية». وتابع: «ما يجب أن ننجزه مع المستشارة لم يعد المصالحة، لأنها تمّت، بل أن نقول معاً ما نريد أن نفعله في هذه اللحظة الدقيقة بالنسبة إلى أوروبا». ولفتت مركل لدى استقبالها في مقر بلدية فردان، إلى أن «فردان أكثر من اسم بلدتكم، إنها واحدة من أكثر المعارك فظاعة التي شهدتها الإنسانية. اسم (فردان) يرمز إلى فظاعة وعبثية لا تُعقلان للحرب، وكذلك إلى العبر والمصالحة الفرنسية - الألمانية». ووصفت دعوتها إلى إحياء الذكرى بأنها «شرف كبير» ودليل إلى «ثقة ضخمة»، معتبرة أن الاحتفالات تعكس أن «العلاقات جيدة بين ألمانياوفرنسا الآن» وتجسّد إنجازات الوحدة الأوروبية. وأضافت: «تركت الحرب آثارها على طابع المدينة إلى الآن، لذلك فإن الذكرى حية دوماً. ويعني هذا أننا يجب أن نُبقي الذكريات حية في المستقبل أيضاً، إذ إن مَن يعرفون الماضي يمكنهم التعليم ورسم مستقبل جيد».