في وقت تموج العاصمة المصرية بتقلبات الحراك السياسي وعواصف التغيير، بات التوتر الذي ينفجر بين حين وآخر في شبة جزيرة سيناء يهدد مستقبل تلك البقعة الحدودية لجهة تخوف بعض المراقبين من أن تصبح سيناء «دارفور مصرية». وأعادت الأزمة التي فجّرتها الحملات التي شنتها الأجهزة الأمنية خلال الأيام الأخيرة على مناطق في وسط سيناء لضبط هاربين الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات بين الشرطة وبدو سيناء، السؤال مجدداً حول أسباب التوتر المتصاعد في العلاقة بين بدو سيناء والسلطات. وبين مطرقة الارتياب والملاحقات الأمنية وسندان الفقر الذي يدفع البعض إلى الانحراف، يعيش بدو سيناء أياماً صعبة منذ تفجيرات طابا ونويبع التي استهدفت السيّاح في العام 2005. ومنذ ذلك الحين تنفجر بين حين وآخر الأزمات بين بدو شبه الجزيرة والسلطات المصرية. ويعاني أهل سيناء مما يصفونه ب «سوء معاملة وتميز يتعرضون له من قبل أجهزة الأمن» وصلت إلى عدم اختيار الشباب من المنتمين إلى بدو سيناء في المراكز السيادية في الدولة، كذلك الإرجاء المستمر لعملية تعمير سيناء والتي توقفت عند المناطق السياحية والمدن المطلة على البحر الأحمر الغنية بآبار البترول. لكن حتى تلك المدن لا يعمل بها شباب سيناء الذي يعاني من البطالة لأنها تستورد العمالة من القاهرة ومدن دلتا النيل. وتعد مدن وسط وشمال شبة جزيرة سيناء من أفقر المدن المصرية من حيث الموارد حيث يشتكي سكانها (قرابة 200 ألف من البدو) «من الفقر والبطالة» وطالما طالبوا بتخصيص أراضٍ صحراوية لاستزراعها لكن الحكومة تتلكأ في الإجابة. وفي محاولة لاحتواء التوتر، التقى أمس وزير الداخلية حبيب العادلي مع الممثلين البرلمانيين ورؤوس العائلات وشيوخ القبائل في سيناء في حضور عدد من القيادات الأمنية، فيما عززت الشرطة المصرية من إجراءاتها لتأمين المنشآت الحيوية في شمال سيناء. وفي محاولة منه لنفي الاتهامات بالعمالة عن بدو سيناء، أكد العادلي أن «أبناء سيناء يمثلون جزءاً غالياً من مصر سطر المصريون على أرضه أزهى الأمجاد والبطولات على مر التاريخ، وقدموا تضحيات وبطولات متعددة تجسيداً لانتمائهم الوطني، كما قدم رجال الشرطة شهداء منهم في مواجهات مع بؤر إجرامية وإرهابية حاولت أن تشوه الصورة الناصعة لسيناء وأن تنال من متطلبات تنميتها وازدهار القطاع السياحي بما مثله من طفرة لمصلحة المواطنين في سيناء». وأشار وزير الداخلية إلى أن العمل الأمني يجب أن تتوازى مسارات فاعلياته بالتعاون مع المواطنين والقيادات السياسية والشعبية بصفة عامة، وكذلك رؤوس العائلات وشيوخ القبائل في محافظات متعددة ذات طابع اجتماعي خاص بها سواء بالصعيد أو بالمحافظات الحدودية. وأوضح أن المصالح الخاصة والعامة لأبناء سيناء تمثل محوراً رئيسياً من اهتمام القيادة السياسية للدولة، وأن الخطة الطموحة لتنمية سيناء تتطلب مقومات آمنة تحفّز المستثمرين على الاستثمار وتتطلب حرصاً على عدم تهديد المصالح العامة والخاصة، وهو ما لن يتحقق إلا بعمل جاد من أبناء سيناء أنفسهم تكاملاً مع مسارات العمل التنفيذي. وشدد العادلي مجدداً على «أن من غير المقبول في الوقت الذي يتجه الجهد الوطني نحو طفرات جديدة لتنمية سيناء أن تسعى بعض العناصر الإجرامية لتتخذ من بعض الدروب والجبال أوكاراً لها ومجالاً لممارسة نشاطها الإجرامي، وباعتبار أن ذلك وضع لا يمكن التهاون بصدده». وأكد أن أجهزة الأمن «لن تثنيها عن إنفاذ القانون بكل حزم محاولات إثارة البلبلة وخلط الأوراق بهدف تأليب الرأي العام أو ترويج إشاعات من قبل المرتبطين بالعناصر الإجرامية الهاربة من تنفيذ أحكام في قضايا جنايات قتل واتجار في المخدرات». في المقابل، نفى محافظ شمال سيناء اللواء مراد موافي أمس ما تناوله عدد من أجهزة الإعلام حول تفجير خط الغاز الطبيعي المتجه إلى الأردن عبر شبه جزيرة سيناء. وقال إن ذلك لا صحة له، موضحاً أن خط الغاز الطبيعي لم يصب بسوء وأن الحملة الأمنية التي تشهدها بعض قرى وسط سيناء تهدف إلى توقيف مطلوبين لتنفيذ أحكام جنائية وأن عدد المطلوبين قليل جداً. وكان الطريق المؤدي من مدينة العريش حتى منفذ العوجة شهد خلال الأيام الماضية قيام ملثمين غاضبين يستقلون شاحنات نصف نقل حديثة وسيارات دفع رباعي من سكان المناطق المحيطة بقرية وادي العمر بقطع الطريق مرات عدة وإطلاق الرصاص صوب الشاحنات العابرة للطريق وتوقيفها مما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص من سائقي الشاحنات ومساعديهم. وكانت قرية وادي العمر الواقعة على طريق العريش - منفذ العوجة وعلى مسافة 30 كلم منه شهدت في الأيام الماضية قيام الشرطة بحملة دهم للمنازل لتوقيف أشخاص من سكان المنطقة تقول إنهم مطلوبون لتنفيذ أحكام على ذمة قضايا مختلفة. ويقول عدد ممن تستهدفهم حملة الشرطة إن أحكاماً لُفّقت لهم في أوقات سابقة وأصبحوا على خلفيتها مطاردين. ومن المقرر وفقاً لمصادر محلية أن تكون مسيرة سلمية انطلقت مساء أمس في سيناء احتجاجاً على تصريحات للمحافظ اللواء مراد موافي أدلى بها أول من أمس في مقابلة تلفزيونية واعتبرها المحتجون من سكان سيناء أنها تنال منهم وتمسهم.