استطاع المسلسل المغربي «حديدان» الذي تعرضه القناة المغربية الثانية «دوزيم» أن يحظى بمتابعة كبيرة من حيث المشاهدة، ويصبح حديث الصحافة الفنية لما توفر فيه من شروط إبداعية. أولها على مستوى المواضيع الاجتماعية التي يقدمها في قالب هزلي تراثي، مستمد في غالبيته من التراث الشعبي المغربي ومرتبط بشخصية هزلية تراثية عرف عنها الذكاء الفطري مثلما هي الحال مع شخصية «جحا»، وان كانت شخصية هذا الأخير معروفة أكثر على المستوى العربي. علماً انه سبق للتلفزيون المغربي في القناة الأولى أن قدمها هي الأخرى ضمن مسلسل آخر جسد دور البطولة فيه الممثل المغربي محمد بسطاوي من إخراج أنور معتصم. اما ثاني عناصر القوة فتكمن في الإخراج الذي يحمل توقيع المخرجة المغربية فاطمة بوبكدي التي اعتمت سيراً على عادتها هذا النوع من المسلسلات التراثية المستمدة من الأدب الشعبي الشفوي. إذ سبق لها في هذا الصدد أن قدمت مسلسلاً تلفزيونياً، عرف هو الآخر نجاحاً ملحوظاً هو مسلسل «رمانة وبرطال». اما في جديدها فقدمت بوبكدي أجواء العمل وفضاءاته في شكل إخراجي بديع، تتحقق فيه البساطة والعمق في الوقت ذاته، كما يجمع بين الهزل والحكمة في قالب كوميدي متقن. كما أنها استطاعت بصحبة أخيها إبراهيم بوبكدي أن يكتبا سيناريو هذا المسلسل بكثير من التوليف السردي المحكم بين مختلف الحكايات التي جعلاها تشكل صلب الأحداث وتدفع بها بالتالي إلى التدرج في طرح القضايا الاجتماعية من البسيط العادي إلى المركب المحمل بتعددية المعاني وانفتاحه على الرمزي في أبعاده المختلفة. إضافة إلى هذا يعود نجاح هذا المسلسل إلى التشخيص القوي للممثلين المتواجدين فيه، إذ استطاعوا أن يتشربوا روح الشخصيات التي يقدمونها بكثير من العمق، فعاشوا داخلها واستطاعوا تقديمها للمشاهدين. يمكن لنا الوقوف في هذا الصدد مثلاً عند شخصية «حديدان» التي جسدها الممثل كمال كاظيمي بكثير من العمق إلى حدود أنه استطاع أن يجمع فيها بين الهزل والمرح المغلفين بالدهاء والمكر، في قالب تمثيلي ينطق بالقدرة على التعبير بلغة الكلمة والجسد معاً. وهو الأمر الذي جعله يقدم في هذا المسلسل التلفزيوني دوراً فنياً كبيراً. كما تألق صلاح الدين بنموسى وعائشة مناف وسعاد الوزاني وصفية الزياني وفاطمة وشاي وسواهم من الممثلين المشاركين في هذا العمل.