سعت قيادات دينية وتنفيذية وبرلمانية إلى وأد فتنة طائفية أطلت في محافظة المنياجنوبالقاهرة، إثر واقعة غير مسبوقة شهدها خلاف طائفي بين مسلمين وأقباط في قرية «الكرم» النائية في مركز أبو قرقاص في المحافظة. واندلعت خلافات بين أهالي القرية من المسلمين والأقباط أخذت منحى طائفياً إثر إشاعة عن علاقة مُحرمة جمعت امرأة متزوجة مسلمة مع رجل مسيحي من أهالي القرية. وقال سعد فضل، وهو من أهالي القرية الأقباط، ل «الحياة» إن الأيام الماضية شهدت ترديد أقاويل على استحياء بين أهالي القرية عن تلك العلاقة المزعومة، لافتاً إلى أن زوج السيدة والرجل المسيحي صديقان. وتابع: «مع تزايد وتيرة الإشاعات، تلقت أسر مسيحية تهديدات من مجهولين، بإحراق منازلهم بعد صلاة الجمعة الأسبوع الماضي، ما دفع ببعض الأسر ومنها أسرة الرجل المسيحي محل الإشاعة إلى التقدم ببلاغات للشرطة لحمايتها. وفي مساء يوم الجمعة الماضية، خرج مئات المسلمين بعضهم مُسلح بأسلحة آلية وأسلحة نارية وأسلحة بيضاء وهاجموا منازل الأقباط وأحرقوا نحو 5 منازل بعد نهبها، ولما حاولنا إطفاء النيران اكتشفنا أن المياه قد قُطعت عن القرية بالكامل، ما سبب التهام النيران لمنازلنا بالكامل. وقد وصلت قوات الأمن إلى القرية بعد نحو ساعتين من التبليغ بالهجوم، والمطافئ وصلت بعد أكثر من ساعتين». وأوضح فضل أن «الجموع توجهت إلى منزل الرجل المسيحي، للفتك به ولم تجده، إذ كان هاجر القرية مع بناته الأربع قبل الهجوم بيوم، ووجدوا في المنزل والدته المُسنة مع بعض النسوة، فاقتادوا المرأة المسنة إلى الشارع بعدما جردوها من ملابسها، وطافوا بها بعض شوارع القرية، حتى تمكن بعض الأهالي أيضاً من تخليصها من أياديهم، وتهريبها». وبعد الكشف عن هذا الاعتداء وما رافقه من غضب عارم، أطلق بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثاني نداء أمس للتحلي بضبط النفس. وقال البابا في بيان من النمسا حيث يقوم بزيارة رعوية، إنه يتابع عن كثب ما جرى للسيدة القبطية في حادث المنيا ويطمئن الى حالتها الصحية والنفسية، داعياً الجميع إلى «غلق الطريق على من يحاولون المتاجرة بالحدث لإشعال الفتنة الطائفية». وطالب البابا الجميع «بالتحلي بضبط النفس والعيش المشترك»، موضحاً أنه يتابع الوضع مع المسؤولين في الدولة الذين أكدوا «أن صون شرف الأم المصرية من واجبهم جميعاً». وقال الأزهر في بيان أمس إنه «تابع ما تناولته وسائل الإعلام من تعرض مواطنة مسنة للاعتداء بالضرب والإهانة بإحدى القرى ... إن أبناء مصر نسيج واحد لا يجب أن تؤثر فيه أفعال آحاد الناس ممن لا يحكمون عقولهم عند نشوب خلافات قد تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة». وأكد الأزهر رفضه وإدانته لكل صور الإهانة والاعتداء من غير نظر إلى معتقد المعتدي والمعتدى عليه، ومهما كان سبب الاعتداء فإنه يثق في أن الجهات المعنية ستقوم بإعمال شؤونها على الوجه الأكمل، محذراً «من محاولات البعض استغلال هذا الحادث لإشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد مع ضرورة الالتزام بوحدة الصف وإعمال القانون وتفويت الفرصة على أولئك المتربصين بأمن الوطن واستقراره». وشدد مجلس الوزراء في بيان على التزام الدولة بتطبيق أحكام القانون وحماية أرواح وممتلكات كافة المواطنين. وقال مجلس الوزراء: «في إطار متابعة حادث المنيا المؤسف، فإن الأجهزة الأمنية قامت فور حدوث الواقعة بالتحرك وضبط عدد من الجناة بينهم المتهم الرئيسي في الواقعة المشينة وتم عرض جميع المتهمين على النيابة العامة للتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم، كما تواصل أجهزة الأمن جهودها الحثيثة لضبط بقية الجناة لينالوا العقاب الرادع». وعبّر مجلس كنائس مصر وأمينه العام ولجانه المختلفة عن «القلق الشديد للأحداث المؤسفة التي جرت للأقباط في قرية «الكرم» بالاعتداء والسلب وتحطيم وإضرام نار واستعمال السلاح والتعدي على سيدة مسنة». وأعلن المجلس في بيان أصدره أمس التضامن مع مطرانية المنيا في هذه الأحداث التي آلمتها. وأهاب بيان للمتحدث باسم مجلس الكنائس الأب رفيق جريش بأجهزة الدولة المعنية «التحرك الفعال وإعلاء القانون ورأب هذه الفتنة بأسرع وقت ممكن». وقالت مطرانية المنيا وأبو قرقاص في بيان أمس إن الأحداث بدأت بعد إشاعة عن علاقة بين مسيحي ومسلمة، وتعرض المسيحي لتهديدات ترك على أثرها القرية، فيما قام والده ووالدته بتحرير محضر في قسم الشرطة بتلقيهما تهديدات يتوقعان تنفيذها والاعتداء عليهما، و «بالفعل نفذ المئات تلك التهديدات واعتدوا بالأسلحة على منازل الأقباط، وقاموا بسلبها ونهبها وإضرام النار في بعضها، كما قام المعتدون بتجريد سيدة مسيحية مسنة من ثيابها، هاتفين ومشهرين بها أمام الحشد الكبير في الشارع، وقامت قوات الأمن بالوصول إلى القرية بعد ساعتين من الهجوم، وألقت القبض على 6 أشخاص». وأضافت المطرانية: «نحن نثق في أن مثل تلك السلوكيات لا يقبلها أي شخص شريف، كما نثق في أن أجهزة الدولة لن تقف منها موقف المتفرج». وقالت المطرانية في بيان لاحق إن «مطران المنيا وأبو قرقاص الأنبا مكاريوس تقابل الأربعاء مع السيدة المسنة التي تعرضت لإهانة بالغة، في قرية الكرم وهي سيدة مسنة تقية مكدودة، تطل من عينيها نظرة أسى وأسف، ولكنها واعية ولبقة. قالت وهي تغالب دموعها: إن الغوغائيين قاموا بإخراجها من منزلها ثم تجريدها من ملابسها، وجروها في الشارع، والتعدي عليها بالضرب الوحشي، ثم طرحوها أرضاً، لتحبو وتختبئ تحت عربة صغيرة حيت ألقت سيدة فاضلة ثياباً فوقها، فارتدتها بسرعة وتحاملت على نفسها لتهرب من الغوغاء وتستقل وسيلة مواصلات إلى المدينة». وقالت السيدة القبطية وتدعى «سعاد»، وفق بيان المطرانية، إنها «حاولت التكتم على ما حدث شأنها في ذلك شأن اللائي يتعرضن للاغتصاب أو التحرش، غير أنها لم تحتمل أن تغالب الشعور بالقهر والذل أكثر من 3 أيام، لتنتفض في شجاعة لتذهب إلى مركز الشرطة وتدلي بأقوالها في محضر بعد امتناع المسؤولين هناك عن تلبية طلبها لساعات». وتابع البيان أن السيدة سعاد تقول إنها «لم ترَ السيدة التي سترتها، كما أنها لا تعرف كيف نجت من الموت»، كما أنها نفت أن تكون قد تعرضت للاغتصاب. وأوضح بيان المطرانية أن محافظ المنيا اللواء طارق نصر والقيادات الأمنية كافة أبلغوا الأنبا مكاريوس أنهم مصرون على القبض على جميع المتورطين في الواقعة وتقديمهم للعدالة. والتقى محافظ المنيا الأنبا مكاريوس في حضور القيادات الأمنية للمحافظة. وعلى رغم أن محافظ المنيا كان نفى في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس حدوث اعتداء على السيدة المسيحية، وحاول التقليل من الأمر، بأن روى أن السيدة خرجت من بيتها بملابس خفيفة بعد أن أحرق المحتشدون منزلها، عاد فأكد في بيان أمس عدم قبول أي تجاوزات أو سلوكيات غير مسؤولة ضد المسيحيين.