تشارك السعودية في قمة العشرين الاقتصادية التي تعقد في تورونتو بكندا اليوم، وهي القمة التي يعول عليها في إنعاش الاقتصاد العالمي، في مرحلة جديدة تستتبع المرحلة الأولى التي كانت تستهدف إنقاذه من الانهيار، وعلى أساسها تشكّل هذا التجمع العالمي لأكبر اقتصادات في العالم. وإن كانت حالة من الإجماع على الإجراءات الفورية لمواجهة الأزمة الاقتصادية سادت اجتماعات مجموعة العشرين السابقة في واشنطن ولندن وبيتسبرغ، إلا أن اجتماعات تورونتو لن تكون بمثل هذه الصورة من الإجماع، إذ بدأت تظهر خلافات حول الخطوات المقبلة وطريقة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها الدول سابقاً، وبخاصة مع ملامح تجاوز الأزمة الاقتصادية وتفادي الانهيار، إلا أن هذا لن يمنع قادة الدول المشاركة من تحقيق اتفاقات كبيرة في الأجندة المطروحة. وفي ظل رغبة المشاركين في استمرار الوفاق لقمة العشرين، تأتي مشاركة السعودية فاعلة من خلال رؤيتها حيال الخطط المطروحة لمعالجة الاعتلال في الاقتصاد العالمي والأزمة المالية، وما وافقت عليه المملكة وعزمت على تنفيذه ضمن الاتفاقات التي تمت بين الدول المشاركة في الاجتماعات السابقة، يعطيها مكانة فاعلة في الاقتصاد العالمي. ومنح تأثر السعودية المحدود بالأزمة العالمية، القدرة على رصد نحو 400 بليون دولار سيتم ضخها في الاقتصاد المحلي على مدى خمس سنوات في مشاريع محلية عملاقة، لها امتدادات خارجية، تصنف على أنها مساهمة في حركة السوق العالمية. وهو ما أكده الصندوق الدولي في دراسة للسياسات التي اتخذتها دول مجموعة العشرين، التي تبين من خلالها أن برنامج المملكة للاستثمار في البنية الأساسية وغيره هو أكبر البرامج في المجموعة. وأشار الصندوق إلى أن المملكة ولمدة ثلاث سنوات قدرت لهذا البرنامج موازنة تقدر بنحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها، في حين أن أقرب دول العالم لهذا الرقم هي إسبانيا ودولة أخرى بأقل من نصف الحجم بالنسبة للمملكة. وتؤكد المملكة استمرارها في برامج الانتعاش الاقتصادي، وبخاصة أن المؤشرات تدل على تحسن الأوضاع إلى الأفضل منذ اجتماع واشنطن، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي الذي توقع أن ينمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2010 إلى 2 في المئة، وتأكيد أن نمو الاقتصاد السعودي لم يتأثر بالشكل الكبير من الأزمة الاقتصادية كبقية الدول الأخرى التي وصل فيها مستوى النمو الاقتصادي إلى السالب أو الصفر، واستطاعت أن تخطو خطوات كبيرة في برنامجها في الإنفاق وطرح المشاريع العملاقة. وعلى رغم الخلافات التي بدأت تتشكل في بعض الخطط المقترحة، إلا أن الاتفاق سيتم لإخضاع الضوابط المالية العالمية لتتماشى مع التغييرات التي أطلقتها الخطط السابقة، بزيادة نواحي الإشراف المنسق على السوق، وغلق الفجوات في نظم الرقابة والضبط، فضلاً عن مجموعة كبيرة من الضوابط والمحفزات التي سيتم إطلاقها بناءً على القمة، وكذلك الأمل في تجنب انهيار مالي آخر من خلال فرض تنظيم أكثر صرامة، وتشديد الرقابة الدولية، وضمان أن تكافح الدول في جميع أنحاء العالم الركود عن طريق تحفيز الطلب، وسيكون من بينها النقاط الأربع التي حددها الرئيس الأميركي أوباما لكي يتفق عليها قادة الدول العشرين في تورونتو، وهي متطلبات أكثر شدة للمؤسسات المالية، إضافة إلى مراقبة أكبر لأسواق المشتقات، وشفافية أكبر لأسواق المال، وآلية أكثر كفاءة لإغلاق المؤسسات المالية الكبيرة.وفي المحاور الرئيسية لخطط «الإنعاش» والتي تتعلق بإعادة الثقة، والنمو، والتوظيف، وإصلاح النظام المالي، وإعادة النمو، والرقابة المالية وعلاقتها بالاستقرار، كانت الحلول في مجملها موضع إتفاق من الدول بما فيها المملكة، وبخاصة في ما يتعلق في سياسات حمائية من المجموعة، وكانت السعودية من بين ثلاث دول التزمت بما تم الاتفاق عليه في واشنطن، إضافة إلى جنوب أفريقيا واليابان، بينما تبنت 17 دولة من الدول الأعضاء سياسات حمائية سواء للتجارة أو التمويل أو غيره. وفي جانب القطاع المالي، يوجد اتفاق على خفض كلفة الإقراض (خفض الفوائد)، وإعادة رسملة البنوك الضعيفة لتعود لسوق الإقراض، بغرض استقرار الأسواق المالية في البداية، ومن ثم يعطي دفعة للنمو الاقتصادي، من خلال المؤشرات الإيجابية التي توقعها صندوق النقد الدولي خلال العام المقبل. ولم تعان القطاعات المالية السعودية من أي مشكلات ولا تحتاج إلى إعادة رسملة، أو إلى عمليات إنقاذ تصبح عبئاً على موازنة الدولة، ما أعطى ميزة مضافة للإجراءات التي كانت تتخذها الحكومة في السابق لحماية الجهاز المالي، وكانت تؤمن بأنه يجب أن يكون هناك إشراف جيد على القطاع المالي. وتأكيدها على هذا الخيار الذي تعمل به، في ظل انسحاب الخيار الأخر «الأخذ بمبدأ الإشراف الذاتي»، الذي لم يعد مطروحاً أو مقبولاً على مستوى مختلف الدول. ويرى محللون اقتصاديون أن الجميع سيقبل بالضوابط لتنظيم وإصلاح قوانين السوق، وإحكام الرقابة عليه، ما يساعدها على تسوية الخلاف حول الحاجة إلى مزيد من إنفاق الأموال العامة لمكافحة الركود العالمي، وهو أحد أساسيات خطط الإنعاش، إضافة إلى أن الموافقة على إصلاح الهيكل المالي العالمي الذي تطالب به بعض الدول سيساعد أيضاً على علاج الاختلافات بين الدول الأعضاء بشأن الحاجة إلى ضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد العالمي بغية تحفيز النمو وإذابة التجمد في أسواق القروض. ومن المرتقب أن يتفق القادة على قوانين جديدة حول تمويل المؤسسات المالية وآلية معالجة إفلاسها مستقبلاً كي لا يتأثر الاقتصاد العالمي بالطريقة التي شهدها عام 2008 بعد أزمة البنوك العالمية. كما سيصادقون على مبدأ تحمل القطاع المالي مسؤولية مشكلات اقتصادية مستقبلية.