تواصل قناة «دبي» الفضائية وبالتعاون مع المنتدى الاستراتيجي العربي - الواجهة الفكرية لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم - عرض برنامج «المنتدى» الذي يقدمه الإعلامي السعودي سليمان الهتلان ويستضيف فيه اسبوعياً وجوهاً فكرية وثقافية وسياسية متنوعة المشارب والرؤى والخلفيات لبحث سبل تخطي معوقات التنمية العربية وردم الهوة المعرفية مع المجتمعات المتقدمة عبر رصد وجهات نظر مختلفة في كل حلقة تتقاطع تارة وتتباين تارة وتتكامل طوراً ما يغني النقاش ويزيده موضوعية وشمولية وتعددية. ولعل إطلالة سريعة على عناوين هذه الحلقات النقاشية التلفزيونية تعطي فكرة واضحة عن مدى جدية المسائل والإشكالات التي يتصدى «المنتدى» لطرحها ومناقشتها. من قضية المرأة الى حرية التفكير الى الكثافة السكانية الى الشباب الى الشفافية والمساءلة الى اصلاح التعليم الى حرية الإبداع والابتكار الى اقتصاد المعرفة وصولاً الى الفقر والأمن القومي وغير ذلك من موضوعات تنموية وإصلاحية ملحة ومحظورة النقاش في العالم العربي. حتى ان احدى حلقاته حملت عنوان «لماذا يكره العرب بعضهم بعضاً». ويبدو ان البرنامج يشكل محاولة طموحة لإخراج الهاجس او الهم المعرفي من حلقاته الأكاديمية وأبراجه النخبوية الى عامة الناس. فليس سراً ان التلفزيون يشكل الوسيلة الأوسع انتشاراً لطرح الأفكار وبثها بخاصة مع تدني مستويات القراءة وتواضع مستوى مناهجنا وطرائقنا التعليمية والتربوية وفق المعايير العالمية، ما يعطي الشاشة الصغيرة قوة مضاعفة لجهة التأثير في توجهات الناس وقناعاتهم وأمزجتهم لدرجة يمكن الحديث معها عن «ثقافة» تلفزيونية ما لدى كل مشاهد يستمدها ويراكمها عبر مشاهداته وانطباعاته وتفضيلاته التلفزيونية. فبرنامج «المنتدى» يساهم في حقن هذه الثقافة بجرعة معرفية عقلانية عبر ابراز اشكالات المعرفة والتنمية في مجتمعاتنا وطرحها للنقاش العلني الجاد ما يساهم في اثراء المقاربات المطروحة لحل هذه الإشكالات المزمنة وإنضاجها. فمثل هذه البرامج الحوارية المعرفية من شأنه تشجيع المشاهدين على التساؤل والسؤال والبحث والتنقيب والشك والنقد وصولاً الى التفاعل مع كل طرح تنويري وحضاري يرنو الى انتشالنا من عتبات التخلف والجهل ومراوحة المكان. كما ان برامج كهذه تذيب جليد الاغتراب والتباعد وسوء الفهم بين المثقفين كمنتجي معرفة والجمهور المتلقي لنتاجهم لجهة تقريب الأولين اكثر من نبض مختلف شرائح المجتمع على تنوع مشكلاتها وأولوياتها وطموحاتها وتقريب الآخيرين في المقابل من عوالم الثقافة بمفرداتها وتقاليدها وآليات اشتغالها الإبداعي ومضامينها بما يفتح آفاقاً رحبة للتثاقف والتواصل والتفاهم بين الطرفين بعيداً من التقوقع والتعالي الثقافويين لدى بعض المتثاقفين على المجتمع والناس ونبذ الثقافة ومقت المعرفة وترذيلهما لدى بعض التيارات الشعبوية والظلامية. فالمتلقي اذ يتناغم مع آراء احد الضيوف وينسجم معها قد يشكل ذلك دافعاً له للتعرف اكثر الى هذا المثقف والتحري عنه عبر الاطلاع على نتاجاته وكتاباته في المكتبات والصحف... ما يحقق الغاية المرجوة من هذه البرامج وهي تعميم الثقافة والمعرفة والحض عليهما بطريقة مرنة ومبسطة تجر المشاهد الى حلبة المشاركة في الحوار والنقاش حول قضايا اساسية تمس واقعه ومستقبله، بما يكسر حلقة الصمت واللامبالاة والخوف والسلبية.