أظهر الفرنسيون في معاقبتهم الرئيس فرانسوا هولاند وحزبه الاشتراكي في الانتخابات البلدية التي خسرها، وعيهم وإدراكهم لفشل الفريق الحاكم. على الصعيد الداخلي التزم هولاند بوعود لم يتمكن من تنفيذها، وذلك ليس في حملته الانتخابية للرئاسة، بل أيضاً خلال رئاسته. وهو وعد أن عام 2013 سيشهد بداية الحد من البطالة، فيما استمرت نسبتها في الازدياد، ما اضطره إلى القول في مؤتمر صحافي بداية هذا العام، إنه لم يربح بعد معركة إيقاف البطالة. وبدأ هولاند عهده بعد حملة انتخابية تحت عنوان العداء لعالم المال والأثرياء، إلا أنه تراجع لاحقاً عن ذلك، ما دفع الأمين العام لإحدى النقابات العمالية اليسارية (القوة العاملة) جان كلود مايي إلى اتهام هولاند بالانتقال من العداء للمال وعالمه إلى موقع الوصي على الشركات، إذ حاول أخيراً، إدخال خطة اقتصادية جديدة عرفت ب «معاهدة المسؤولية» الهادفة إلى محاولة تشجيع التوظيف، وهي معاهدة بين أرباب الأعمال والحكومة لخفض نفقات التوظيف البالغة الارتفاع في فرنسا، في مقابل تعهد الشركات بالتوظيف. وأثار ذلك اليسار وحظي بتأييد اليمين مع التشكيك بإمكان تنفيذ الخطة. في غضون ذلك، تبخرت وعود هولاند لليسار، مع المصاعب الاقتصادية التي واجهها. إضافة إلى ذلك، أدرك الشعب الفرنسي أن الرئيس الاشتراكي الذي لم يمتلك خبرة سابقة في منصب وزاري ارتكب أخطاء عدة في الإدارة. وافتقد فريق عمله التنظيم الصارم والرؤية العميقة والاستراتيجية الواضحة، إضافة إلى إصراره على القيام بنفسه بتولي السيطرة على الإعلام الحكومي. وقدم هولاند إلى الجمهور الفرنسي صورة أعطت انطباعاً عن قلة تنظيم وفوضى، وتجلى ذلك في إدارة قضية فساد طاولت وزير المال في بداية عهده جيروم كاهوزاك الذي كانت تبين أنه امتلك حسابات خارج فرنسا للتهرب من الضرائب. ووقع هولاند في خطأ آخر، عندما طرد عائلة مهاجرة من كوسوفو وتوقيف ابنتها المراهقة ليوناردا عن الدراسة وإعادتها مع أهلها إلى بلدها، ثم إطلاله هولاند التلفزيونية للقول لليوناردا أن بإمكانها أن تعود إلى فرنسا وحدها من دون أهلها! وأتت بعد ذلك قضية التنصت القضائي على سلفه نيكولا ساركوزي و «نفي» أن تكون وزارة العدل تعلم بذلك ثم تأكيد رئيس الحكومة السابق جان مارك ايرولت أنه كان على علم بالأمر. وتداخلت تلك الأخطاء مع حياة هولاند الشخصية بعد نشر صورته معتمراً خوذة على دراجة نارية لدى مغادرته منزل عشيقته، ثم طريقة إعلانه عن نهاية العلاقة مع السيدة الأولى السابقة فاليري تريرفايلير. راكم هولاند الأخطاء، ومن بينها اختياره حكومة موسعة معظم وزرائها غير معروفين وعلى رأسهم ايرولت ذو الشعبية المتدهورة، ما أعطى عنه صورة رئيس «من دون رؤية»، لا يستمع إلى نصائح ذوي الخبرة المقربين منه. بعد خسارته الانتخابات البلدية، عمد هولاند إلى التضحية بصديقه المقرب ايرولت لتسليم رئاسة الحكومة إلى وزير الداخلية مانويل فالز وهو من جيل الشباب الأكثر طموحاً في الحزب الاشتراكي وكثيراً ما يوصف بأنه ساركوزي اليسار . وسبق أن نافس فالز (51 سنة) هولاند عندما نظم الحزب الانتخابات الأولية لاختيار المرشح الرئاسي للحزب الاشتراكي. وأتى تعيين فالز نتيجة «شعبيته» في استطلاعات الرأي، وهو متزوج من عازفة الكمان آن غرافوان وله أربعة أولاد من زوجة أولى. وفالز من مواليد برشلونة وهو إسباني الأصل، ويعتبر من «يمينيي» الحزب الاشتراكي وهو ليبيرالي التوجه. ورهان هولاند على فالز، «سيف ذو حدين» بالنسبة إلى السباق الرئاسي في 2017، ذلك أن نجاح فالز يجعله منافساً خطراً للرئاسة. أما على صعيد السياسة الخارجية فوزير الخارجية لوران فابيوس يبقى في منصبه وهو مرتاح فيه كون نفوذه كبيراً، ذلك أن هولاند على عكس الرؤساء السابقين الذين كانوا يتدخلون بقوة في السياسة الخارجية، يثق كلياً بخيارات فابيوس ويترك له الحرية التامة في التعيينات للسفراء والمدراء. ويمتلك فابيوس حضوراً إعلامياً ويمسك جيداً بمختلف الملفات، من أوكرانيا إلى سورية وإيران ولبنان وإسرائيل. وشعبيته تتعزز من خلال إطلالاته الإعلامية، وهو استعاد في هذا المنصب شعبيته ووزنه. وبدا أن هولاند بتعيينه «أم أولاده» سيغولين رويال المرشحة الاشتراكية السابقة للرئاسة وزيرة للطاقة، يحاول احتواء الخطأ الذي ارتكبه مع شريكته الأخيرة، في حين يقال إن فالز كان وراء اختيار رويال. ولا شك أن رهان هولاند على حكومة برئاسة فالز قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في 25 أيار (مايو) المقبل، يهدف إلى إنقاذ هيبة رئاسته وتحسين أوضاع الحزب الاشتراكي.