تجرى انتخابات الرئاسة في فرنسا بعد اقل من ستة أشهر ومن الصعب التكهن بمن سيفوز فيها. فالنائب الاشتراكي فرنسوا هولاند مرشح الحزب الاشتراكي ما زال وفق استطلاعات الرأي الأخيرة في فرنسا يتقدم على الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي الذي لم يعلن عن ترشحه رسمياً ولكنه بالتأكيد وكما تؤكد كل مصادره سيكون مرشح حزب اتحاد الحركة الشعبية وهو حزب الأغلبية الحالية في البرلمان الفرنسي. ورغم تقدم الاستطلاعات لمصلحة هولاند فحظوظ ساركوزي بالفوز والتجديد لولاية أخرى من خمس سنوات ما زالت كبيرة. وما يمكن أن يلعب دوراً في فوزه هو تحركه الدائم والمستمر لحل الأزمة الاقتصادية حيث اسرع للتصدي لفقدان فرنسا نقطة في تقييم وكالات التصنيف كما يتحرك دائماً على الصعيد الدولي لحل ديون دول مثل اليونان وإيطاليا لتجنيب فرنسا إفلاسات مصارف لها التزامات تجاه هذين البلدين. فخبرة ساركوزي وديناميكيته الدائمة هما لمصلحته في السباق الرئاسي. أما ما يلعب ضده في الشعبية فهو شخصيته العصبية والمزاجية وطريقة تعامله مع أوساطه. فقد روى وزير مالية أوروبي كيف أن ساركوزي غضب أمامهم وصرخ في وجه الموظفين العاملين معه لأن الأمور لم تكن مثلما يريد. ومعروف عنه انه بعيد كل البعد عن الهدوء الرئاسي الذي يتطلبه هذا المنصب. إلا أن اليمين الفرنسي الذي كان يعاني من ذلك في البداية يلتف حوله الآن لأن برنامج المرشح الاشتراكي لا يناسبه. وما لا يخدم ساركوزي اضافة إلى طبعه وشخصيته هو أيضأ وخصوصاً أن القوة الشرائية الفرنسية انخفضت في شكل كبير بسبب الأزمة الاقتصادية. وكان وعده في حملته الأولى انه سيعمل لزيادة القوة الشرائية ولكن الأوضاع العالمية أسقطت هذا الوعد والشعب الفرنسي يعاني من نسبة بطالة مرتفعة بلغت تقريباً ثلاثة ملايين شخص ومن غلاء في المعيشة يوجع المواطن الفرنسي. أما المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند فيراهن على أن كل من لم يتحمل شخصية ساركوزي ووعوده التي لم تنفذ يريد التصويت ضده وهولاند سيكسب الأصوات الرافضة لرئاسة ساركوزي. كما أن هولاند شخصية هادئة وقال انه إذا انتخب فسيكون رئيساً عادياً وهو لم يشغل أي منصب وزاري من قبل إلا انه كان لسنوات عديدة أمين الحزب الاشتراكي. وله على عكس ما يقال علاقات على الصعيد الخارجي خصوصاً مع أحزاب الاشتراكية الدولية. إلا أن الانقسامات في حزبه الذي بدا موحداً بعد الانتخابات الأولية، عادت تظهر بقوة على الساحة الفرنسية مع انتقادات من كل الجهات. ومعروف أن رئيس الحكومة السابق لوران فابيوس هو خصم هولاند كما أن للأمينة العامة للحزب مارتين أوبري مآخذ عليه. وقد اخطأ هولاند في اتفاقه مع الخضر عندما بدا وكأنه مع تخلي فرنسا عن الطاقة النووية، علماً أن معظم كهرباء فرنسا هي من الطاقة الوطنية الفرنسية. فكان هذا الخطأ لمصلحة ساركوزي الذي دافع بشراسة عن الطاقة النووية في فرنسا. وطبعاً سيصوت الناخبون وفق ميولهم السياسية كون الشعب الفرنسي مسيساً ولكن كثيرين سيصوتون لمعاقبة ولاية ساركوزي إذا قرروا تأييد هولاند كما يتخوف آخرون من مستقبل مجهول مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وسيقرر هؤلاء تأييد من له خبرة في قيادة البلد وسيصوتون لساركوزي. أما رفيقتا درب كل منهما فتلعبان دوراً مهماً في الظل. ومعروف عن كارلا زوجة ساركوزي أنها تساعده على الهدوء وتحسين سلوكه مع الناس. في حين أن فاليري ترفيلير رفيقة هولاند فصحافية جميلة لها أيضأ تأثير إيجابي عليه وعلى نهجه. فالسباق الرئاسي في فرنسا ما زال مفتوحاً ولو انه بعد موعد قريب (خمسة اشهر) والسياسة الخارجية الفرنسية لن تتغير، وخير دليل على ذلك أن كل ما قاله ساركوزي عن قطيعة مع عهد الرئيس السابق جاك شيراك ثبت انه مجرد كلام والسياسة الفرنسية إزاء سورية خير مثال على ذلك.