اتخذت الحكومة الفرنسية الجديدة في أول اجتماع لها أمس، قراراً بالغ الرمزية تمثل بخفض رواتب رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء بنسبة 30 في المئة التزاماً بما كان وعد به الرئيس فرانسوا هولاند في إطار حملته الانتخابية. كما تبنت الحكومة الجديدة مدونة تهدف إلى الحؤول دون حصول تضارب بين الوزراء واتخذت قراراً يقضي بمنع مراكمة المناصب الرسمية ما يلزم حوالى 29 وزيراً بالتخلي عن المناصب التي يشغلونها في المجالس المحلية والبلديات. والواضح أن هولاند الذي رأس الاجتماع الحكومي قبل توجهه إلى واشنطن حيث يلتقي اليوم (الخميس) الرئيس الأميركي باراك أوباما، أراد مجدداً تأكيد أن عهداً جديداً وأسلوباً جديداً في ممارسة الحكم حلّا على فرنسا. وبموجب قرار تخفيض الرواتب، سينخفض مرتب رئيس الحكومة جان مارك إيرولت إلى 14 ألف يورو كما ينخفض معاش الوزير إلى 9 آلاف يورو بعدما كان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي رفع معاشه من 7 إلى 19 ألف يورو لدى توليه منصبه. وفي امتداد للنهج ذاته، من المقرر أن تعمل الحكومة في اجتماعها الأسبوعي يوم الأربعاء المقبل، على زيادة المساعدات التي تقدمها الدولة إلى الأسر في بداية العام الدراسي وخفض سن التقاعد إلى 60 سنة لذوي المهن الشاقة. تسليم وتسلم وسبق الاجتماع الحكومي ماراثون من مراسم التسليم والتسلم في الوزارات المختلفة ومن بينها وزارة الخارجية إذ تمنى الوزير السابق آلان جوبيه لخلفه لوران فابيوس «ملاحة جيدة في بحر العواصف» الذي تمثله الملفات الدولية، فيما عبر فابيوس من جانبه عن شعوره بالإحباط إزاء المراوحة على صعيد الأزمة السورية. وأضاف فابيوس في ما يمكن اعتباره رداً غير مباشر على الكلام الذي وجهه الرئيس السوري بشار الأسد إلى هولاند أن «العهود تتوالى لكن مصالح فرنسا تبقى على حالها»، ما يدعو إلى استبعاد تغيير فرنسا سياستها حيال سورية في عهد هولاند. أما وزير الاقتصاد والمال بيار موسكوفيسي فأكد لدى تسلمه منصبه التزامه بتوجه هولاند وجعل أوروبا أولوية لوزارته «بدءاً بالأزمة اليونانية» وصولاً إلى إعادة «توجيه البناء الأوروبي نحو درب النمو». كما أكد عزمه على مكافحة العجز والمديونية اللتين وصفهما بالعدوين. وحرص وزير الداخلية الجديد مانويل فالز بعد تسلمه منصبه على تأكيد تمايزه عن سلفه كلود غييان الذي تسببت مواقفه في سجالات عدة، واستحضر فالز جذوره الإسبانية في إشارة إلى أن المهاجرين ليسوا فقط مصدراً للمشاكل وأن أداءه على رأس وزارة الداخلية لن يكون «ملائكياً» لكنه لن يكون محكوماً بالأرقام على غرار ما فرض على رجال الشرطة في ظل العهد السابق ولا باستهداف مجموعات وفئات معينة. كانت ولادة الحكومة الجديدة التي تضم 34 وزيراً أتت عسيرة واستغرقت ساعات طويلة من التشاور بين هولاند وإيرولت من منطلق حرصهما على أن تراعى المساواة بين الوزراء الرجال والنساء وأن تعكس التجديد والتعددية وأن تضم ممثلين عن مختلف الحساسيات الداخلية الخاصة بالحزب الاشتراكي. وعلى هذا الصعيد، ضمت الحكومة مناصفة 17 وزيراً و17 وزيرة ودخل إليها 3 وزراء يعبرون عن التعددية وهم وزيرة حقوق المرأة الناطقة باسم الحكومة نجاة فيلو بلقاسم ووزير قدامى المحاربين قادر عريف ويمينة بن غيغي وزيرة للشؤون الأوروبية، إضافة إلى 3 وزراء آخرين من أقاليم ما وراء البحار. وعلى رغم رفضها الانضمام إلى الفريق الحكومي التي كانت تأمل في ترؤسه، تمثلت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي بثلاث وزراء وكذلك تمثلت المرشحة السابقة للرئاسة ورفيقة هولاند السابقة سيغولين رويال بعدد من الوزراء في الحكومة. وإمعانا في إبراز التغيير الحاصل في فرنسا تم استحداث أسماء جديدة لبعض الوزارات منها وزارة النجاح العلمي ووزارة النهوض الاجتماعي. وانضم حزب أنصار البيئة إلى الحكومة ممثلاً بسيسيل دوفلو التي أسندت إليها وزارة السكن فيما خلت من أي ممثلين عن اليسار المتطرف الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون ومن أي ممثل للحزب الشيوعي. وباستثناء فابيوس وموسكوفيسي (المال) وميشال سابان الذي تولى وزارة العمل وجان إيف لودريان الذي تسلم وزارة الدفاع ومارليز لوبرانشو التي تولت وزارة إصلاح الدولة واللامركزية، فإن كل الوزراء الآخرين لم يسبق أن تولوا أي منصب حكومي.