خلا المنزل من الأولاد. ذهب كلٌ إلى بيته. البنتان والولدان. أصبح لكل منهم منزله. شاخت الحيطان، تآكل الدهان. تتمسك بمنزلها، تمشي مستوحشة بالمنزل بعدما كان ضجيجه لا يهدأ. شريك العمر تركها تكمل وحدها ما تبقى. ترى بصعوبة، تحمد الله على أنها ترى، تُصبِّر نفسها. غيري لا يرى سوى السواد. أما ما بقيَ من صحةٍ، فيكفيها، مع أدوية التأمين الصحي، لترعى نفسها. تنظف البيت بقدر جهدها، تطبخ ما يكفيها ليوم أو أكثر، تغسل ما يلزمها فقط تاركة الباقي لحين احتياجها، فتغسله. مشيتها الزاحفة بالشبشب لها حفيفٌ خاص، صوتٌ مميز، كأنها تؤكد وجودها. ما بقي من نَفَس تدعو به للأولاد والأحفاد. تقسم وقتها بين العبادة والتلفزيون. جادَ؛ ولدُها الأكبر عليها بدشٍ صغير يملأ فراغها، تضيق بالحواريات التي لا تنتهي، تكلمهم كأنهم يسمعونها. لا يوجد لديكم عمل. أتركوا الكلام تُريحوا وتستريحوا. تأنس بالأفلام القديمة. تذكرها بأيام الرضا والقناعة، الشباب، أول الزواج، أول العين ما رأت من أولاد. أول ما شالت من مخلوق صغيرة بَصَم على يديها بصمةَ العمر. أمها الفرحة، أبوها الباسم، وهو يوزع الحمص والفول السوداني. عاداتنا القديمة؛ الإبريق، العروس، يد الهون، الجيران، الإخوة، الأطباق الدائرة بين البيوت، غداء أطفال العمارة عند إحدى الجارات واليوم التالي عند أخرى بلا ترتيبٍ ولا تكليف. ما تهديه للجارات مما طبخت. أغلقت التلفاز قائلة: – منك لله، حرمتنا الونس والألفة. الأولاد يمرون عليها حسب ظروفهم. تسعد بالأحفاد، عندما يتجمعون عندها في الإجازات. أسماها الأبناء: «أيام الدمار الشامل»، لصخب الأحفاد وتكسيرهم ما في البيت، وردُّها الوحيد:- فداهُم. يدهش الأولاد. في السابق كان الويل لمن كان منا يفسد شيئاً. العلقة السخنة في انتظاره. تجيبهم باسمة:- هم أعز علي منكم. تتجهز بالطعام والشراب الذي يحبه كل ولد وبنت وحفيد. يغيب البعض. تعذرهم:- أيامكم صعبة. تجلس منهكة أياماً عدة، بعدها تسترد عافيتها. اشتاقت لهم جميعاً، الفضاء يرن في الشقة، يقتلها الصمت. اتصلت بالجميع. أكدت الجمعة التالية:- سنذهب إلى محل التصوير، لنأخذ صورة تذكارية. وطلبت منهم أن يرتدوا أجمل ثياب. اعتذر الجميع عن عدم استطاعتهم الحضور لأسباب مختلفة. ارتدت أجمل ثيابها. ذهبت إلى محل التصوير. طلبت كادراً كبيراً كأن في داخله 15 أو 20 شخصاً. دُهش المصور. أصرت. نفذ ما أرادت. جلست في قلب الصورة. طلبت طباعتها على ورقة كبيرة. أخرجت ماكينة التحميض الصورة الكبيرة. نظر المصور فيها مندهشاً. وجد الصورة تصرخ ممتلئة بالأولاد والأحفاد. أما الجدة التي صورها فكانت غير موجودة في الكادر. بعد رفع صوان العزاء، تجمع الأبناء والأحفاد في المنزل الخالي، مرتدين أجمل الثياب، لالتقاط صورة تذكارية، تنفيذاً للوصية. ذهبوا إلى المصور نفسه، فاندهش من هذا التجمع وتوقيته. التقط الصورة. سلَّمهم صورة كبيرة. وجه الجدة فيها فوق وجوه الكل، وهي تبتسم.