لجأ ذوو الشهداء المقدسيين المحتجزة جثامينهم منذ نحو نصف عام، الى محكمة العدل العليا الإسرائيلية للمطالبة بالإفراج عنها وتمكينهم من دفنها. وقال المحامي محمد عليان، والد الشهيد بهاء عليان من جبل المكبر في القدس، أن المحكمة حدّدت الخامس من الشهر الجاري للنظر في الطلب المقدم من عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم. وأفرجت السلطات الإسرائيلية عن الغالبية العظمى من جثامين الشهداء، لكنها أبقت على جثامين عدد من الشهداء من مدينة القدس. ولفت عليان الى أن السلطات تحتجز جثامين 18 شهيداً، 15 منهم من مدينة القدس، وأنه مضت على غالبيتهم في الاحتجاز ستة أشهر. واستخدمت السلطات الإسرائيلية احتجاز جثامين الشهداء الذين يقتلون في هجمات على أهداف إسرائيلية، منذ بدء الهبة الشعبية مطلع تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وسيلة للضغط على الفلسطينيين، لكنها عادت وأطلقت سراح الغالبية العظمى منهم، وأبقت على عدد محدود من سكان مدينة القدس بعد أن اتضح لها عدم وجود تأثير لهذه الخطوة في الهبة. وأعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد أردان، قبل شهرين، أنه سيفرج عن جثامين الشهداء جميعاً، لكنه تراجع عن ذلك بعد رفض بعض الأوساط اليمينية المتطرفة القرار. وأشار المحامي عليان الى أن عائلات الشهداء طالبت محكمة العدل العليا في الالتماس المقدّم لها، بأن تطبق إعلان وزير الأمن الداخلي، وأن تسلم الجثامين وهي في حالة لائقة وقابلة للدفن. وزاد: «نرفض أن يسلمونا أبناءنا وهم قوالب من الثلج، لأنه لا يمكن دفنهم في هذه الحالة». وكانت عائلة أحد الشهداء وهو حسن مناصرة (15 سنة)، رفضت تسلّم جثمانه ودفنه في وقت سابق، لأنها وجدته قالب ثلج. وقال والد حسن أن عائلته انسحبت من أمام مقبرة باب الرحمة شرق المسجد الأقصى، بعد أن حاولت السلطات الإسرائيلية تسليمها جثمانه في حال «غير إنسانية». وأضاف: «أمضيت ساعات في التفاوض مع السلطات على تسليم جثمان حسن، وطلبت منها أن يكون الجثمان غير مجمّد، وأن يتم دفنه بمشاركة 40 شخصاً من أفراد العائلة». وتابع: «عندما جاؤوا (رجال الشرطة) لتسليمي جثمان حسن، أحضروه في كيس بلاستيكي مربوط في شكل غير لائق، وعندما فتحوه وجدته عبارة عن قالب من الثلج، فرفضت تسلّمه، وقلت لهم: نحن بشر، نريد أن ندفن ابننا في شكل إنساني لائق، وهذا الشكل غير إنساني وغير لائق». وزاد: «تدخل بعض الأطراف لتسلّم الجثمان ودفنه، لكني رفضت تسلّمه مع كل الألم والأسى، وخرجت أنا وزوجتي وأبناء عائلتي من المقبرة». وتشترط السلطات على ذوي شهداء القدس القيام بالدفن بعد منتصف الليل، وبعد ساعة واحدة فقط من تسلّم الجثمان. كما تشترط مشاركة عدد محدود من أبناء العائلة في عملية الدفن، وأن تتسلّم أسماءهم وأرقام بطاقاتهم مسبقاً. وتجري السلطات تفتيشاً دقيقاً للمشاركين في الدفن على باب المقبرة، وترفض السماح لهم بإدخال هواتفهم النقالة. وقال والد حسن أنه وأفراد عائلته وعائلة اسكافي تعرضوا لتفتيش مذل ومهين قبل وصولهم الى المقبرة. وقال محامي مؤسسة «الضمير» محمد محمود، الذي يتابع ملف الجثامين المحتجزة، أن السلطات الإسرائيلية قررت في حينه تسليم جثماني حسن مناصرة وعمر ياسر اسكافي، وهما من سكان حي بيت حنينا في القدس، بعد أن اشترطت مشاركة ما بين 30 - 40 شخصاً فقط في الدفن، وأن يجري التسليم والدفن بعد منتصف الليل، وأن تدفع كل عائلة كفالة مالية قيمتها 20 ألف شيكل (أكثر من خمسة آلاف دولار) تتم مصادرتها في حال حدوث أي إخلال في شروط الدفن. وأشار الى أن تسليم جثامين عدد من شهداء القدس تم بعد أن قدمت العائلات التماساً الى المحكمة طالبتها فيه بتحديد مواعيد تسليم الجثامين ودفنها. وأضاف أن المحكمة أصدرت قراراً يقضي بإلزام النيابة العامة الرد على الاستئناف، ما جعل السلطات تبادر الى قبول تسليم عدد من الجثامين. ولفت الى أنه وجه عشرات الرسائل إلى المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بينهم وزير الأمن الداخلي، كما قدم التماسات للنيابة العامة الإسرائيلية طالب فيها ذوو الشهداء بتسليم جثامين أبنائهم ليتسنى دفنها وفق الشريعة الإسلامية. وأكد أن السلطات رفضت، في المرحلة الأولى، الطلبات التي قدمت إليها للإفراج عن جثامين الشهداء بحجة «الأوضاع الأمنية»، قائلة أن «احتجاز الجثامين قد يردع الآخرين عن تنفيذ عمليات مشابهة». وتابع: «في مرحلة لاحقة، وافق ممثلو جهاز الأمن الإسرائيلي على الإفراج عن الجثامين، لكن تم التراجع عن الإفراج عن عدد منهم من دون إبداء الأسباب». وامام مواصلة احتجاز جثامين عدد من شهداء القدس، قررت عائلاتهم التوجّه الى محكمة العدل العليا الإسرائيلية. وقال المحامي عليان: «نعمل وحدنا، السلطة الفلسطينية لا تقوم بأي دور جدي، والحراك الشعبي ضعيف، والرأي العام الإسرائيلي مجند لخدمة الحكومة، لذلك لم يتبقّ أمامنا سوى التوجه الى العالم».