بما أن الفضائيات باتت جزءاً لا يتجزأ من حياة كل مواطن، وبما أنها أصبحت تحرّك المياه الراكدة، ولأنها تتحكم في مناحٍ عدة من حياتنا، سواء على مستوى الوقت أو التفكير أو الترفيه، يجدر بالجهات المهتمة بهذا الجزء من العالم أن تجري أبحاثها لتقيم ما الذي فعلته الفضائيات العربية بالمواطن العربي، وما الذي فعله المواطن العربي بفضائياته؟ وهل أثرت التعددية السياسية الخبرية والتحليلية في مواقفه وآرائه واتجاهاته؟ أم إن العكس هو الذي حدث، وأثّر هو بمواقفه وانتماءاته في محتوى ما يعرض؟ وهل فرضت الفضائيات الترفيهية بفيديو كليباتها وبرامجها الخفيفة ومحتواها من تلفزيون الواقع اتجاهات جديدة على ميول المشاهد أم إن رواجها هذا ناجم عن تقديمها لما يحب المشاهد أن يراه ويتابعه؟ وهل المشاهد العربي أكول ونهم بطبعه، ويميل إلى متابعة هذا الكم الهائل من برامج الطبخ أم إنه صار شرهاً بسبب انتشار هذه البرامج؟ وهل يعتمد اعتماداً رئيساً في ترتيب أمور حياته، وتحديد أولوياته، على الاستماع لمن يفسر له مغزى ظهور عنزة بقدم واحدة في صحبة ديك برأسين وبقرة بخمس أرجل في منامه أم إنه يعشق أصلاً الاعتماد على الخرافات؟ وهل ساهمت الفضائيات في تحفيز اهتمامه بطالعه ومتابعة تحركات الكواكب لمعرفة حظه أم إن إهمال التعليم وإعلاء قيمة الجهل أهلاه للاستسلام لبرامج الحظ والأبراج؟ درس وتحليل الحال الفضائي العربي أشبه بمنجم الذهب الذي يجدر بجهات عدة أن تستغله. ويفضل أن تكون هذه الجهات عربية المنشأ والهوى، بدلاً من أن تكون مشكوكة الهوية والهدف. فلا تكفي أبداً استطلاعات الرأي التي تجرى بين الحين والآخر على نسب مشاهدة برامج الحوار التي تجريها شركات الدعاية والإعلانات لتقسيم كعكة الإعلانات. وليس المقصود بالبحث والدراسة معرفة أهواء المشاهد العربي بغرض إطلاق قناة جديدة أو برنامج مختلف. فإذا كانت برامج ال«توك شو» نجحت عربياً في تحريك المياه الراكدة التي كادت تصل إلى مرحلة التعفن سياسياً واجتماعياً، كما حققت كسباً تاريخياً بإجبار المسؤولين الرسميين على الرد على شكاوى الناس المطروحة على الشاشات، فهذا جدير بدرس الاتجاهات السياسية الشعبية للشعوب العربية. وإذا كانت فضائيات ترفيهية عربية كسرت بعض المحرمات أبرزها الجنس في ما تقدمه من فيديو كليب وأفلام غير مبتورة رقابياً، فهذا يعني أن على علماء الاجتماع أن يفهموا تركيبة المشاهد الذي تقبل هذا في بيته بعد طول منع. وإذا كانت فضائيات أخرى تمكنت من أن تجيش شعوباً عربية ضد أخرى، وتوحد صفوفاً في أوقات شدة، فهذا يحتاج إلى توثيق لقياس الاتجاهات العروبية والقومية الحالية والمستقبلية. هي بذلك أعلنت إسدال الستار نهائياً على برامج تحصيل الحاصل، ونشرات أخبار الزعيم ورفاقه، وأفلام لا تعرض إلا ما تبقى من مقص الرقيب، واتجاهات دينية تفرضها الأنظمة. فهل نتوقع دراسة مستفيضة تكشف عما فعلته الفضائيات بنا، وما فعلناه بها؟