حراك من نوع خاص يتفاعل في مصر خلال الفترة الأخيرة ليس في شأن مطالب معيشية ملحة يبديها عمال أغلقت شركاتهم أو تفاعلات سياسية يقوم بها مطالبون بالإصلاح السياسي في البلاد، وهي التحركات التي بدأت في الانكماش بعد انتهاء موعد انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان المصري) بعدما كانت في أوجها خلال الشهرين الماضيين. جاء الحراك هذه المرة بفعل قضيتين أثيرتا في الأيام الأخيرة وتصدرتا المشهد السياسي في مصر. الأولى هي الأزمة المحتدمة بين القضاة والمحامين على خلفية حكم صدر بحق اثنين من المحامين يقضي بسجنهما خمس سنوات لاتهامهما بالاعتداء بالضرب على رئيس نيابة في مدينة طنطا (دلتا النيل)، وهي الأزمة التي لن تجد على ما يبدو طريقها للحل خلال الأيام القليلة المقبلة على رغم تدخل شخصيات لها وزنها على خط الأزمة في مقدمهم رئيس البرلمان الدكتور فتحي سرور والنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود. أما القضية الثانية فكانت بفعل ما أثير في شأن مقتل شاب مصري في محافظة الاسكندرية الساحلية (نحو 240 كلم شمال القاهرة) تحت وطأة التعذيب الأمني بحسب ما يقول معارضون ومنظمات حقوقية، لتتحول هذه القضية إلى حرب بيانات متبادلة بين أجهزة الأمن والقوى السياسية، في حين تقدم نواب معارضون بطلبات لاستجواب وزير الداخلية أمام البرلمان، كما نظمت منظمات حقوقية ونشطاء معارضون وقفات احتجاجية للمطالبة بعزل وزير الداخلية من منصبه. وصعد في الأيام الأخيرة نجم الشاب خالد محمد سعيد (28 سنة) والذي تحول في غضون أيام إلى «رمز» لقوى المعارضة المصرية بفضل شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) عموماً وموقع «الفيس بوك» خصوصاً. وأمر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أمس باستخراج جثة سعيد وانتدب لجنة ثلاثية من مصلحة الطب الشرعي في القاهرة برئاسة كبير الأطباء الشرعيين لإعادة تشريحها لبيان سبب الوفاة والإصابات الموجودة على الجثة وسببها وتاريخ وكيفية حدوثها والأداة المستخدمة في إحداثها، على أن يتم استخراج الجثة بحضور رئيس نيابة استئناف الإسكندرية أحمد عمر وعائلة الشاب المتوفى. ويأتي هذا القرار في وقت تواصل نيابة استئناف الإسكندرية بإشراف المحامي العام الأول المستشار ياسر رفاعي تحقيقاتها في القضية وسماع شهود الواقعة. وأعادت القضية مجدداً الحديث عن قانون الطوارئ والذي مددته الحكومة المصرية منتصف الشهر الماضي لمدة عامين، لكنها قالت إنها ستقصر استخدامه على قضايا الإرهاب والمخدرات. وكان المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي دخل على خط أزمة الشاب الذي بات يعرف ب «شهيد الطوارئ» واعتبر في رسائل عدة بعثها إلى مناصريه على موقع «الفيس بوك» أن قانون الطوارئ هو «سلاح في أيدي الشرطة من دون أي ضوابط (...) هو سلطة مطلقة تجعلهم يسجنون أي شخص من دون محاكمة»، مشيراً إلى أن الشرطة تستخدم هذا القانون الاستثنائي «في قمع السياسيين والمعارضين». وتساءل البرادعي: «هل يعقل أن مصر تبقى في حال طوارئ من 30 سنة؟». وكان نشطاء ونواب معارضون رفعوا لافتات تحمل صور الشاب قبل مقتله خلال تظاهرات نددوا خلالها بالحادث وطالبوا بعزل وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي من منصبه ومحاسبة المسؤولين عن مقتل الشاب، فيما تم تداول صور فظيعة على الانترنت لوجه جثة هامدة عليه جروح نتيجة التعرض للضرب المبرح قيل إنها صورة الشاب بعد تعذيبه داخل أحد أقسام الشرطة في محافظة الاسكندرية. وظهرت مجموعات ومواقع على «الفيس بوك» تدعو إلى التضامن مع خالد محمد سعيد ووضع صوره في صدر الصفحات الشخصية وهو الأمر الذي لقي رواجاً كبيراً على الموقع الشهير لجهة أن ألوف الأعضاء باتوا يضعون صور سعيد مكان صورهم الشخصية. وكانت منظمة العفو الدولية دعت في وقت سابق إلى فتح تحقيق موسع وشفاف حول ملابسات مقتل خالد سعيد. في المقابل نفت وزارة الداخلية المصرية في شدة أي علاقة لعناصرها بمقتل الشاب، بل قالت إنه كان مطلوباً لديها لتنفيذ أحكام قضائية. وأوضحت في بيانها أن وفاة خالد جاءت بعد تعاطيه لفافة مخدرة، مؤكدة أن الوفاة نتيجة اختناق بسبب انسداد القصبة الهوائية باللفافة التي حاول ابتلاعها أثناء محاولة عناصر أمنية القبض عليه مما أسفر عن وفاته. وشددت الداخلية المصرية في بيانها على أن «ادعاءات وفاة خالد سعيد بسبب تعذيبه داخل قسم الشرطة تغافلت عمداً عن كل الحقائق وتمادت في الترويج للكذب والتضليل في محاولة للإساءة لجهاز الشرطة». وعلى صعيد آخر، أخذت الأزمة المتفجرة في الفترة الأخيرة بين القضاة والمحامين في مصر منحى جديداً بعدما هدد نقيب المحامين حمدي خليفة بتصعيد المواجهة مع القضاة إذا لم يتم التوصل إلى حل نهائي للأزمة خلال اللقاء المفترض أن يكون تم ليلاً بينه وبين رئيس البرلمان الدكتور أحمد فتحي سرور مع رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند. واحتدم الخلاف بين القضاة والمحامين على خلفية حكم صدر بحق اثنين من المحامين يقضي بسجنهما خمس سنوات لاتهامهما بالاعتداء بالضرب على رئيس نيابة في مدينة طنطا (دلتا النيل). وأكد خليفة في تصريحات صحافية عقب لقائه مع سرور في البرلمان أمس أن المحامين حالياً تحت السيطرة ولكن لا أحد يضمن ماذا سيحدث من 450 ألف محام في حال استمرار الأزمة. وقال إن نقابة المحامين تمتلك من الأدوات والآليات ما يمكنها الرد على الاتهامات التي وجهت إلى المحامين في بيان القضاة والذي وصفهم بالإرهابيين والقلة المارقة. وأضاف أنه في حال عدم التوصل إلى «حل جذري» سيدعو إلى اجتماع عاجل للجمعية العمومية لنقابة المحامين التي تضم مجلس النقابة ومجلس النقابات الفرعية بالمحافظات لوضع آلية للرد على تصريحات القضاة. وأكد أن المحامين لن يتنازلوا عن تمتعتهم بالحصانة القضائية مثل القضاة باعتبارهم شركاء للسلطة القضائية في تحقيق العدالة.