إنّها الإسكندريّة في ربيع 2016. في الذهن ما لا يحصى من الخيالات والصور، لكن الأذن تلتقط (وتساندها العين) شيئاً غير مألوف. الأرجح، أنّه الهدوء الممزوج بانضباط لا يتصادم مع الاختلاف. نعم، ثمة هدوء مكين ومتمهل، ليس مألوفاً خصوصاً لمن يزورها بتباعد يتيح المقارنة، وهي تبقى بلمسة سياحيّة، بعين المحب للمدينة وناسها. في مطعم «محمد أحمد» الشعبي، تأكل طبق «الفول الإسكندراني». يرن في رأسك صوت يقول أنه سبق لك أن فعلت ذلك غير مرّة، لكن هناك ضوضاء وفوضى تدنّت كثيراً في المكان الذي ترتاده عائلات أيضاً، وكذلك يكثر فيه الحضور النسوي المتنوّع الملابس والأردية والألوان. ويبرز ذلك الهدوء رزيناً عندما تكون عناوين الصحف كلّها مكرّسة لموضوع حساس وشائك يتمثّل في جزيرتي «تيران» و «صنافير» على البحر الأحمر. يصعب ألا تلتقط أذناك الأحاديث في الشارع والمقهى والدكان، عن ذلك الموضوع. لكن، لا شيء من تلك الجلبة التي كانت ترافق أحاديث الناس عن شؤون بلدها في المرحلة التي أعقبت مباشرة «ثورة 25 يناير»، بالأحرى تقلّص التوتّر في نبرة الصوت، وقلّت حركة الأيادي الحادة، والملامح المتوترة في النقاشات. صحيح أنّك تسمع تكراراً كلاماً عن تلك الجزر، حتى عندما تشرب كوب شاي «كشري بالنعناع» في مقهى، أو تشتري زجاجة لبن رائب، أو حتى دواءً من صيدليّة. لكن، الصحيح أيضاً أنك تسمع آراءً مختلفة ومتناقضة، بأقل حدّ من التوتر الظاهري، وبقليل من الانفعالات في الألفاظ ومخارجها، وكذلك بالقليل من حركات الجسد التي ترافق الانفعال الحاد. قرب الفندق، يختتم بائع الجرائد حديثه القصير معك، بالإشارة إلى تمثال الزعيم سعد زغول الذي يحاذي الفندق لجهة البحر. يبدو «سعد باشا» شامخاً في تمثاله، مذكراً بشعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» الذي لخّص به روح الوطنية المصريّة في اللحظة التي أمسك فيها بزمامها، في مواجهة الاحتلال البريطاني. ويربط الكورنيش البحري تمثال سعد زغلول ب «مكتبة الإسكندرية»، هو يوازي شارعاً داخلياً شبه مستقيم يمتد من الفندق المحاذي لذلك التمثال، مروراً ب «مسجد القائد إبراهيم» ومقر «جمعية الشابات المسيحيّات»، قبل أن يسلمك إلى «حي الأزاريطة» الذي يحتضن مجموعة من كليّات جامعة الإسكندرية، إضافة إلى المبنى المميّز تماماً ل «مكتبة الإسكندرية». وإذا أوليت تمثال سعد باشا ظهرك وسرت معطياً طرف عينك ل «قلعة قايتباي»، فستقودك قدماك إلى «فتنة» الإسكندرية العريقة: المقر العتيق الذي شهد تأسيس جريدة «الأهرام»، ومنزل الشاعر المتوسطي قسطنطين كفافيس، الذي تحوّل متحفاً يحتاج إلى مزيد من الاهتمام، وشارع «النبي دانيال» الذي تتراصف فيه الكتب ومكتباتها وأكشاك بيعها. وتذكّرك الكتب بأصوات الجهل التي ارتفعت أيام الرئيس السابق محمد مرسي، منادية ب «اغتيال» ظاهرتها والمكان الذي يحتضنها. ومع كل خطوة، تنداح دوائر لخواطر لا تكفّ عن التدفّق. «بيوفيجن الإسكندرية»: اندماج العلوم بمشاكل المجتمع مفتاح المستقبل «بنت» تجمع علوماً حديثة عن ظاهرة الحياة... ولكن «بيو روبوتكس»... ماذا يعني؟