البشوت النسائية تدخل عالم الموضة وتنافس الرجالية    أول لقاء بين السيسي وأحمد الشرع    المملكة ترفُض المَساس بوحدة السودان    خيسوس حزين لخسارة لاعبين بسبب الإصابة أكثر من الهزيمة أمام باختاكور    القبض على إثيوبي في جازان لترويجه مواد مخدرة    غرامة 1,4 مليون ريال لمصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    أمطار على 6 مناطق والمدينة الأعلى    بمشاركة 370 قائدًا وكشافًا.. جمعية الكشافة العربية السعودية تباشر تقديم خدماتها لزور المسجد النبوي    سماء العُلا يعود في أبريل    فعاليات ثقافية في جدة التاريخية    أحياء المدينة تستعيد تقاليدها الرمضانية    صيانة 781 مسجدا بالأحساء    عربات لتسهيل تنقل المعتمرين بالمسجد الحرام    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    تأكيد سعودي - لبناني على تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة    عقدة غياب الدون تطارد العالمي    أمير الرياض: جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن عظيمة في مضمونها ومنهجها وفي عملها    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    فيصل بن مشعل: مشروع نقل المياه (الجبيل - بريدة) يجسد حرص القيادة    سعود بن نايف يستقبل المهنئين في رمضان.. ويطلع على أعمال "الذوق العام"    سعود بن نهار يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية في الطائف الإفطار الرمضاني    أمير المدينة المنورة: منظومة متكاملة لخدمة المصلين والزوار    «وول ستريت».. السوق متوتر ومستويات القلق للمستمثرين مرتفعة    تجمع الرياض يطلق حملة "صم بصحة"    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    ليلى عوض.. الغياب الذي لم يمحُ الأثر    نيفيز ينقذ جيسوس من ورطة الظهير    وزيرة الخزانة البريطانية: سنتأثر بالرسوم الجمركية الأمريكية    جوازات منفذ الوديعة تستقبل ضيوف الرحمن القادمين للعمرة خلال شهر رمضان    8 جامعات تتنافس على لقب دوري كرة الطائرة    الكرملين: بوتين يوافق على وساطة بين واشنطن وطهران    أمريكا تدرج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية    أوروبا: «رسوم ترمب» تعطل التجارة العالمية    أفضلية طفيفة لباختاكور في أوزبكستان بعد أداء باهت من الهلال    سيميوني وأنشيلوتي.. مواجهة كسر عظم    بعد تعرضه لوعكة صحية.. أشرف زكي يطمئن جمهوره عبر «عكاظ»: إرهاق شديد سبب الأزمة    192 نقطة انخفاض للأسهم.. التداولات عند 6.4 مليار ريال    زعيم دروز سورية: مشروعنا وطني.. لن نطلب الانفصال يوماً    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل القاهرة للمشاركة في القمة العربية غير العادية    فيصل بن فهد بن مقرن يطلع على برامج جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية بحائل    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    أكبر عذاب تعيشه الأجيال ان يحكمهم الموتى    من الرياض.. جوزيف عون يعلن التزامه باتفاق الطائف وسيادة الدولة    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    مهرجان "سماء العلا" يستلهم روح المسافرين في الصحاري    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    قدموا للسلام على سموه وتهنئته بحلول شهر رمضان.. ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء والمواطنين    تعليق الدراسة وتحويلها عن بعد في عددٍ من مناطق المملكة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    الشهادة التي لا تسقط بالرحيل    قال «معارض سعودي» قال !    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخوة كونية في مظهر التنافس القومي... إنها كرة القدم
نشر في الحياة يوم 13 - 06 - 2010

لعل الفلاسفة الاغريق هم اول من قال بأن الدائرة اكمل شكل هندسي. فاتهم ان يضيفوا ان الكرة هي اكثر اشكال الدائرة كمالاً. فهذه المتدحرجة، الاكثر استجابة لقانون الجاذبية، والأكثر مراوغة لقوانين الاحتكاك، تأسر عقل العالم. وما من رقعة في المعمورة تخلو من ملاعب ونوادي ومدربين وقمصان، وحكام، باستثناء القطبين الشمالي والجنوبي.
حتى هناك ابتكر لنا والت ديزني كرة قدم متخيلة في افلامه المتحركة ابطالها الفقمات، التي تجيد ركل الكرة بزعانف اقدامها، او بذؤابة انفها الكروية هي الاخرى.
حمى الكرة، تضطرم ناراً كل 4 اعوام في ادغال العالم، وتبلغ اوجها في البلدان المشاركة، كما في البلد المضيف.
هذه اول مرة تتحول قارة الجوع والاوبئة، افريقيا، الى موئل كأس العالم، في البلد الذي دفع افدح الاثمان في العالم الحديث: جنوب افريقيا.
كرة القدم، شأن الملاكمة، كانت لعبة الأزقة والحواري الفقيرة في لندن الصناعية، التي ابدع شارلز ديكنز في تصوير اسمالها. وبقيت القمامة مزدراة من الارستقراطية التي تمارس رياضات اخرى، نخبوية الغولف مثلاً. وما ان خرجت الكرة من ازقة لندن، حتى اخذت طريقها الى ازقة المدن الأوروبية الكبرى، في محاكاة للاصول.
لم تكتسب اللعبة شعبيتها الا مع مجتمع الاتصال الجماعي الكبير، بعد الحرب العالمية الاولى، اي عصر الاذاعة، والسيارة والرحلات الجوية، الذي حل محل عصر الجريدة والحصان والقاطرة.
بقيت اللعبة أوروبية، ثم صارت أوروبية - لاتينية، بعد انتقالها الى اميركا الجنوبية. هاتان هما القارتان العجوزتان اللتان احتكرتا اللعبة، تاريخاً، ومهارة، وفناً، وصناعة.
كرة القدم – الفن ابداع جسدي، ومهارات فرد، ونظام عقل، خارج حدود الطبقات، والاعراق، والاقوام، يبدعه الافريقي القادم من الادغال، كما الفرنسي القادم من الحضارة. لكن اللعب سرعان ما تحول الى مزيج معقد من العلم (الطب الرياضي مثلاً) والخبرة العملية والمهارات المكتسبة والموروثة.
وكرة القدم - الصناعة اعقد من ان يلم بها حساب. فثمة الاعلانات، وحقوق البث، وشراء وتسعيرة اللاعبين، وتذاكر الدخول الى الملاعب، وبيع صور اللاعبين، والرحلات الجماعية للمشجعين، فضلاً ثمن العربدة في الحانات والشوارع وقبل ايام من بدء المونديال طلعت علينا الجزيرة بأتاوة فادحة تفرضها على رياضة الفقراء. وان لم يكن ذلك كافياً فثمة شركات المراهنات. قبل يوم من الافتتاح (الخميس الماضي) بلغ حجم المراهنات في لندن بليون جنيه استرليني، تتوزع على الفرق المفضلة التالية: اسبانيا، البرازيل، الارجنتين وايطاليا. هناك «وطنيون اغيار» راهنوا على الفريق الانكليزي، من باب التعصب لا من باب الامل.
انكلترا، مخترعة كرة القدم لم تنل كأس العالم الا مرة واحدة يتيمة في مونديال نظم على ارضها عام 1966، وهو اول مونديال تنقل التلفزيونات وقائعه (ليس مباشرة) بل تسجيلات تلفزيونية، واطن انه اول بداية كونية لكرة القدم بفضل الشاشة الصغيرة ثم بفضل الستالايت.
ونجوم الكرة اليوم اساطير كونية بحق، تتراكض وراءهم شركات صنع الاحذية الرياضية، وكولونيا الحلاقة، والمشروبات الغازية. البيبسي كولا مثلاً تحتكر كل الكبار من هنري الفرنسي الى كاكا البرازيلي، مروراً ببكهام الانكليزي، وهلمجرا...
لكن نجومية كرة القدم سريعة العطب. فاللاعب في حاجة الى عقد من السنين كي يسطع، وبعد عقد ينطفئ الى غير رجعة. وان عاد فعلى مقاعد التدريب، شبه منسي، شبح من ماضيه المتواري. ولكل جيل نجومه. نجوم الخمسينات اختفت بالكامل: دي ستيفانو، بوشكاش، خنتو، ستانلي ماثيوز. اما جيل الستينات فان اسماء قليلة بقيت منه، لعل بيليه هو اوفرها حظاً. من الجيل الثاني ما زالت اسماء مارادونا وكرويف، وزيكو تشع من الماضي.
من حسن حظ اللعبة الكروية انها تستجيب لمتطلبات عصر السرعة، عصر «الوجبات السريعة» و «القهوة الجاهزة» والطعام المعلب، فلا تجد لاعباً لا يدخل لعبة «رجوع الشيخ الى صباه» طائعاً.
تكاد موتيفات المونديال ان تغمر الشوارع والاسواق، قبل شاشات التلفزيون، في أوروبا وافريقيا. لعل العالم العربي هو الاستثناء. والاستثناء العربي الوحيد هو لبنان.
اعلام المشاركين في المونديال تغمر واجهات المقاهي، والمطاعم، وترفرف فوق السيارات الخصوصية. ثمة مبان تزدان واجهتها بعلم على طول الواجهة.
اكثر الاعلام انتشاراً: الارجنتين، البرازيل، ايطاليا، المانيا. ثمة اعلام انكليزية بدت يتيمة. شاهدت مرتين علماً جزائرياً. العلم الاسباني يتكاثر.
ثمة مسارب ظاهرة واخرى خفية لهذا الاهتمام. اعرف ان الطبقات الوسطى اللبنانية، هي الأكثر سفراً والاكثر هجرة منذ اواخر القرن التاسع عشر. السفر في الثقافة العربية مغامرة مدهشة، مأثرة لن يجترحها سوى سندباد، بري او بحري. (والسندباد كلمة هندية الاصل تعني حرفياً يعيش، او بترجمة محورة يحيى او يحيا!)، اللبناني مغامر سفر بالفطرة. ولهذا السندباد المعاصر صلات بكل القارات، بما فيها قارات الاوبئة، صلات حياتية حقة، فثمة اقامة، وصلة تواصل، وذكرى، واولاد او احفاد في كل بقاع الارض.
يرفع البعض راية ذلك البلد الذي اليه ينتمي بصلة الهجرة، والاستقرار، بنوع من وطنية ثانية، الى جانب الوطنية اللبنانية. وثمة من يرفع الراية اعجاباً وتضامناً. وثمة من لا يدري «لماذا يرفع اية راية؟». هو «الجو العام»، المونديال في كل مكان، وهي «مرة كل اربع سنوات».
اللبناني كوزموبوليتي الطباع، على رغم ارومته القروية، بل لربما بسببها، وهو يندمج بهذه الغبطة الكونية سريعاً.
اللطف في هذا الكرنفال ان صبايا الجيل الجديد يبدين شغفاً مايني يتزايد بكرة القدم، على عكس نساء جيلي، فهن يكرهن كرة القدم، كراهية «تبول الرجال» في الازقة (ايام زمان).
هذه البهجة تعم بضعة بلايين من سكان المعمورة، وتكاد ان تكون اكبر نعمة من نعم الحداثة. فها هنا يحول المنافسون راياتهم الى قمصان، وغضبهم الى حماسة، وعدوانيتهم الذكورية الى عدو متسارع، وفوضاهم الى نظام. تتحارب الامم بالفن لا بالسلاح باللاعبين لا بالجنود، من دون ان تفوت فرصة تذكيرنا بالماضي العنيف لخصومات الامم حين تنفلت قطعان «السكن هيد» خارج الملاعب هجوماً بالقناني، او يبدأ الركل المقصود للخصوم داخلها. لكنها لحظات استثناء من القاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.