يتوجّه الناخبون البريطانيون إلى صناديق الاقتراع في 5 أيار (مايو) المقبل لاختيار ممثليهم في المجالس البلدية (الانتخابات المحلية). وعلى رغم أن لهذه المناسبة أهمية لا يُستهان بها لكل من حزب المحافظين الحاكم ومنافسه الرئيس في المعارضة، حزب العمال، إلا أن أنظار كثيرين من متابعي الانتخابات يرجّح أن تكون متركزة على حدث انتخابي محدد سيحصل في ذلك اليوم: اختيار العمدة الجديد للعاصمة لندن، خلفاً لبوريس جونسون. في الواقع، يرتبط هذا الاهتمام بهوية العمدة الجديد إلى حد كبير، بدرجة التناقض بين المرشّحين الأساسيين لهذا المنصب، صادق خان المرشّح العمالي وزاك غولدسميث مرشّح المحافظين. ويبرز هذا التناقض بين الإثنين في كل شيء تقريباً، بدءاً من الثراء والفقر، وإنتهاء بالإنتماء الديني والإثني. لكن مهما كانت هوية الفائز منهما في نهاية المطاف، فإن انحصار المنافسة بينهما يشير بوضوح إلى عمق التغييرات التي طرأت على المجتمع البريطاني في العقود الماضية، بحيث بات أبناء المهاجرين يتنافسون مع غيرهم وعلى قدر المساواة لشغل أهم المناصب في بلدهم الجديد. وإذا صدقت استطلاعات الرأي، سيكون صادق خان بالتأكيد عمدة لندن الجديد، فهو يحظى بتفوّق كبير على منافسه المحافظ في الاستطلاعات كلها. ويفاخر بأنه إبن أسرة مسلمة، هاجر أجداده من الهند إلى باكستان قبل أن يهاجر والداه من باكستان إلى بريطانيا في ستينات القرن ال20. استقر الأب والأم في إحدى الضواحي الجنوبية الفقيرة للندن، وأنجبا إضافة إلى صادق ستة أبناء آخرين وإبنة واحدة. عمل والده الذي توفي في العام 2003، سائقاً لباصات النقل العمومي في العاصمة، بينما عملت أمه خياطة ملابس. عاشت أسرة خان في منزل توفّره البلدية لمحدودي الدخل بإيجار زهيد، وهو تابع دراسته في مدارس حكومية مجانية في ضاحية توتينغ، قبل أن يلتحق بالجامعة حيث تخصص في مهنة المحاماة. وبسبب خلفيته هذه، ربما كان طبيعياً أن يتأثّر بحزب العمال الذي يقدّم نفسه بوصفه مدافعاً عن حقوق الفقراء والعمال في المجتمع. انتسب للحزب ونجح في الحصول على ترشيحه لخوض انتخابات مجلس العموم (البرلمان) عن دائرة توتينغ، وفاز فيها خلال دورتين متتاليتين (عامي 2005 و2010). وخان، المتزوج من إمرأة من لندن ولديهما ابنتان، دخل التاريخ السياسي البريطاني الحديث عندما أصبح أول مسلم وأول آسيوي يحضر اجتماعاً لمجلس الوزراء بصفته وزيراً (حقيبة النقل) في الحكومة العمالية السابقة. بعكس خان، لا ينتمي زاك غولدسميث إلى عائلة فقيرة بتاتاً. فقد ورث عن والده الراحل السير جيمس ثروة تترواح بين 200 و300 مليون جنيه استرليني. كان السير جيمس بليونيراً يهودياً معروفاً بنى ثروة طائلة بعدما ترك مقاعد الدراسة في كلية إيتون الراقية بمقاطعة باركشاير قرب لندن. كما كان السير جيمس - المعروف أيضاً بأنه مقامر - رجل سياسة، إذ دفعه تشكيكه في علاقات بريطانيا بالاتحاد الأوروبي إلى إنشاء حزب الاستفتاء بين العامين 1994 و1997 من أجل العمل على إجراء استفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد (وهو ما وافقت الحكومة الحالية بعد عقد من الزمن، على إجرائه في حزيران/يونيو المقبل). وعلى خطى والده، التحق زاك (مواليد العام 1975 واسمه الكامل فرانك زكريا روبن غولدسميث) بكلية إيتون لكنه طُرد منها بسبب العثور على مخدرات في غرفته. لم يعترض كثيراً على ذلك، على رغم تأكيده أنه كان بريئاً من التهمة إذ كانت حشيشة الكيف التي عُثر عليها عنده تعود إلى شخص آخر. وقبل انتخابه نائباً عن حزب المحافظين عن دائرة رويتشموند الراقية في لندن عام 2010، عمل زاك، المدخّن بشراهة، بين 1998 و2007 محرراً لمجلة «ذي إيكولوجست» المعنية بشؤون المحافظة على البيئة. وهو متزوّج من إمرأة يهودية من عائلة روثتشايلد المعروفة، علماً أنه أختير في العام 2011 كأكثر ساسة بريطانيا جاذبية للنساء، قبل أن يطيحه ساسة آخرون عن هذا العرش في السنوات الأخيرة. من سيفوز من بين هذين الرجلين بمنصب عمدة لندن؟ سيصوّت كثيرون بالتأكيد بناء على مدى اقتناعهم، أو عدم اقتناعهم، ببرامج المرشحين الانتخابية، مثل الوعود بتوفير مساكن اجتماعية للطبقات المتوسطة والفقيرة، وتحسين مستويات وسائل النقل العمومي (مترو الأنفاق وباصات الركاب)، وتوسيع مطار هيثرو ليشمل مدرجاً ثالثاً، إلى غير ذلك. لكن البرامج الانتخابية لن تخفي، على الأرجح، واقع أن المنافسة ستكون أيضاً بين ثري وفقير، وبين يهودي ومسلم. فلمن ستكون الغلبة؟ الجواب في الأيام المقبلة.