الاختبار الذي نقله المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى المعارضة مساء الجمعة الماضي قبول تعيين الرئيس بشار الأسد ثلاثة نواب له، بتفكيك «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة ومكوناتها السياسية والعسكرية، في وقت يتوقع دي ميستورا أن يسمع من رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري إجابات عن أسئلة تتعلق ب «الانتقال السياسي» والحكومة الموسعة والمعارضين الذين يمكن أن يشاركوا فيها. ويلتقي دي ميستورا وفدي الحكومة و «الهيئة» في جنيف اليوم، على أمل الحصول على إجابات عن الأسئلة التي وجهها إليهما الجمعة، بالتزامن مع سعي مجموعتي مؤتمري موسكووالقاهرة إلى توحيد صفوفهما وتقديم ردود عن الأسئلة ال 29 المتعلقة بالحكم الجديد بموجب القرار 2254، الذي نص على مفاوضات خلال ستة اشهر لتشكيل حكم يصوغ دستوراً جديداً تجرى الانتخابات بموجبه خلال 18 شهراً. وعقد ممثلو «مجموعة أصدقاء سورية» أمس اجتماعاً لتقويم الأسبوع الماضي من المفاوضات، وسط انقسام ازاء اقتراح تعيين ثلاثة نواب للرئيس. الجعفري، كان قدم ملاحظات على وثيقة المبادئ السياسية التي أعلنها دي ميستورا في نهاية الجولة التفاوضية في 24 الشهر الماضي، ثم قدم تصور دمشق للحل السياسي الذي يقوم على تشكيل حكومة موسعة بمشاركة آخرين، الأمر الذي قابله المبعوث الدولي بالسؤال عن المقصود ب «الحكومة الموسعة» والمعارضين الذين يمكن أن يشاركوا في هذه الحكومة بموجب الدستور الحالي للعام 2012. ومن المقرر ان يكون الجعفري حصل على تفويض من دمشق لنقل موقف رسمي اليوم، وسط أمل من دي ميستورا بالدخول في جوهر المفاوضات. على الضفة الأخرى، توصلت «الهيئة» إلى موقف موحد تضمن تأكيد التمسك بالمطالبة بتشكيل هيئة حكم انتقالية، بموجب «بيان جنيف» تكون المدخل للانتقال السياسي ورفض اقتراح دي ميستورا تعيين ثلاثة نواب للرئيس السوري. وتردد أن هذا الاقتراح مدعوم روسيا وأن موسكو باتت تميل إلى ضرورة حصول الحل السياسي بموجب الدستور الحالي بعدما كانت لا تمانع الاتفاق على إعلان مبادئ دستورية كحل وسط بين مطالب دمشق بتمسك بدستور 2012 ودعوة المعارضة إلى دستور جديد قد تكون وثيقة العام 1950 أساساً له. وبدا أن هناك مسارين في موسكو: مسار دستور يتناول مبادئ دستورية جديدة أو تعديل للدستور الحالي بالتفاهم مع اميركا. ومسار بطرح فكرة تعيين ثلاثة أو خمسة نواب للرئيس يكونون بمثابة مجلس رئاسي، بدلاً من الاختيار بين خياري «الهيئة الانتقالية» و «الحكومة الموسعة». وخلال يومين من اقتراح دي ميستورا، الذي قاله انه ليس مبادرته الشخصية، ظهرت إعادة تموضع في «الهيئة». وكتب «كبير مفاوضي» الوفد محمد مصطفى علوش القيادي في «جيش الإسلام» على صفحته في «فايسبوك» أمس: «إخواننا أعلنت لكم قبل ذلك بطلب إشعال الجبهات واشتعلت، فلا ترقبوا في النظام (...) ولا تنتظروا منه رحمة فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان». وزاد القيادي في «جيش الاسلام» الذي يسيطر على مدينة دوما في غوطة دمشق ويضم اكثر من عشرة آلاف مقاتل: «نحن معكم جميعاً، ولن نقبل أي تنازل عن أهداف الثورة، أنا شخصياً مؤيد لأي موقف تجمع عليه الفصائل مهما كان هذا الموقف». أما «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، الذي يعتبر أحد المكونات السياسية الرئيسية ل «الهيئة»، فأصدر بياناً قال فيه ان «عملية الانتقال السياسي تهدف وفي شكل محدد إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في بيان جنيف لعام 2012، والقرارات الدولية ذات الصلة». وأضاف: «في حال تم طرح أي خطة تخالف تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وفق القرارات الدولية، سيدرس الإجراءات التي سيتخذها بينها تعليق مشاركة أعضائه في الهيئة العليا والوفد المفاوض في هذه الجولة من مفاوضات جنيف، مع إبقاء خيارات أخرى مفتوحة أمام الائتلاف في حال استمرار النظام في أعماله العدائية، وإصرار المبعوث الأممي على عدم الالتزام بالمهمة الموكلة إليه من الأممالمتحدة». وكتب المنسق العام ل «الهيئة» رياض حجاب، الذي التقى في جنيف بمسؤولين غربيين ودوليين امس، على «تويتر»: «نناقش في جنيف شيئاً واحداً فقط، هو تشكيل هيئة حكم انتقالي خال من الأسد وزمرته التي تلطخت أيديهم بالدماء»، مضيفاً أن الرئيس الأسد «أساس المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءاً من الحل». كما صعدت «حركة أحرار الشام الاسلامية»، التي لم تعد تشارك في «الهيئة» منذ مشاركة ممثلها في مؤتمر المعارضة في الرياض نهاية العام الماضي، من موقفها. وأصدرت بياناً قالت فيه أن «هناك انفصالاً واضحاً بين عمل الهيئة والواقع على الأرض، فبينما تقوم روسيا بتحقيق مكاسب ميدانية لصالح النظام لتعطيه زخماً سياسياً وبينما يقوم النظام وإيران بخرق الهدنة المزعومة، نرى إصرار الهيئة على متابعة محادثات التفاوض وسط تملص دولي من أي التزامات أو ضمانات وهذا أمر نراه مجانباً للصواب وللمصلحة العامة». ويشكل مستقبل الأسد نقطة خلاف رئيسية. إذ تطالب المعارضة بتشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تضم ممثلين للحكومة والمعارضة، شرط رحيل الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية، في حين ترى الحكومة السورية أن مستقبل الأسد ليس موضع نقاش وتقرره صناديق الاقتراع فقط. وزاد الغموض بعد صدور القرار 2254 الذي أشار في ديباجته إلى «بيان جنيف»، لكن في الفقرات العاملة تحدث عن «حكم جديد» وليس «هيئة انتقالية». وقال الأسد في مقابلة مع وكالة «ريا نوفوستي» الروسية نهاية الشهر الماضي، ان الكلام عن هيئة انتقالية «غير دستوري وغير منطقي»، موضحاً أن «الحل هو في حكومة وحدة وطنية تهيئ لدستور جديد». لكنه أبدى الاستعداد لانتخابات رئاسية مبكرة إذا حصل ذلك على موافقة شعبية، على عكس تصريح لوزير الخارجية وليد المعلم في منتصف الشهر الماضي واعتبار الأسد «خط أحمر». في موازاة ذلك، اكتمل عقد مجموعتي مؤتمري موسكووالقاهرة مع جهود لتنسيق موقفيهما لدى لقاء دي ميستورا المقبل في جنيف، حيث تقيم جميع الوفود ضمن «المربع الأمني». وكان قدري جميل رئيس «مجموعة موسكو» المعروفة باسم «وفد الديموقراطيين العلمانيين» أكد للمبعوث الدولي تعليقاً على وثيقته السياسية ضرورة التزام الوثيقة استعادة الجولان السوري المحتل وفق القرارات الدولية وتأكيد الهوية «العلمانية» لسورية بدل عبارة «غير طائفية» التي وردت بالوثيقة والقرار 2254، إضافة إلى ضرورة الوضوح بعدم إلغاء الخدمة الالزامية لدى الحديث عن تشكيل «جيش محترف» وإعادة الهكيلة. وأوضح جهاد مقدسي باسم «مجموعة مؤتمر القاهرة» على صفحته في «فايسبوك» أن هيئة الحكم «ليست جسماً واحداً، بل هيئة كاملة الصلاحية كمؤسسة تضم خمسة مكونات مشتركة بين السلطة والمعارضة وهي: مجلس وطني انتقالي، مجلس القضاء الأعلى، حكومة المرحلة الانتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة وفقاً لبيان جنيف، والمجلس الوطني العسكري والهيئة العليا للعدالة والإنصاف» على أن «تنتهي المرحلة الانتقالية مع إنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقاً للدستور الجديد بعد إقراره سورياً».