ما لم تحصل مفاجأة، يختتم المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الجولة الراهنة من المفاوضات غير المباشرة بإعلان «رؤية مشتركة محتملة» بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة تتضمن حوالى 12 نقطة غير خلافية بينها «الإجماع على تنفيذ القرار 2254»، على أمل أن تؤدي المحادثات الأميركية - الروسية في موسكو (بدأت أمس) ومؤتمر «المجموعة الدولية لدعم سورية» في بداية الشهر المقبل إلى توفير أجواء أفضل لدى استئناف الجولة المقبلة في الأسبوع الأول من نيسان (أبريل) المقبل. وأكد «كبير مفاوضي» وفد «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة محمد مصطفى علوش ل «الحياة» أن الوفد سلّم دي ميستورا ورقة مبادئ طالبت ب «تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تؤدي إلى انتقال حقيقي للسلطة»، في وقت بقي رئيس الوفد الحكومي السفير بشار الجعفري متمسكاً ببحث جدول أعمال المفاوضات وإجراءاتها وصولاً إلى البحث في تشكيل «حكومة وحدة وطنية» وليس «هيئة انتقالية». ويدرك دي ميستورا أنه يتوسط في المفاوضات «من دون أوهام» وأن عملية المفاوضات ستكون «بطيئة وتراكمية» لذلك سعى إلى إعلان تقاطعات بين الأطراف السورية بعد أسبوعين من المفاوضات غير المباشرة التي بقي فيها الوفدان وفق ما هو متفق عليه على عكس جولات سابقة. وأعد دي ميستورا وثيقة من حوالى 12 نقطة تضمنت «رؤية مشتركة محتملة» بين الأطراف السورية وعرضها على وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة قبل أن يعلنها بعد لقاءاته اليوم (الخميس)، لافتاً إلى أن «الرؤية» تضمنت مبادئ عامة مستخلصة من وثائق الطرفين، مثل وحدة سورية والحفاظ على سلامة الأراضي السورية والحفاظ على مؤسسات الدولة وإصلاحها وأن سورية دولة ديموقراطية تعددية و «الإجماع على تنفيذ القرار 2254» من دون ذكر تفاصيل تتعلق بالانتقال السياسي، إضافة إلى أن التسوية هي طريق تحقيق السلام وأن السوريين يختارون نظامهم السياسي وضرورة عودة آمنة للمهجرين وإطلاق سراح المعتقلين. وكان الجعفرى نأى عن مسودة هذه الوثيقة في انتظار توجيهات من دمشق. وقال إن الجولة الحالية من المفاوضات انتهت بالنسبة إلى وفد الحكومة، علماً أنه طلب تأجيل الجولة المقبلة بسبب إجراء الانتخابات البرلمانية في 13 نيسان المقبل ووجود أربعة أشخاص في الوفد الحكومي مرشحين للانتخابات، الأمر الذي رفضه الفريق الدولي «كي لا تعطى شرعية لهذه الانتخابات التي لا تنسجم مع القرار 2254»، بحسب قول ديبلوماسي غربي. وتحدث المصدر نفسه أمس عن وجود انطباع لدى ديبلوماسيين زاروا دمشق قبل أيام مفاده أن «البرلمان الجديد موقت وسيُحل خلال ثلاثة أشهر بعد التوصل إلى تسوية». وواصل الجعفري التركيز على جدول الأعمال لأن عدم الاتفاق عليه «يعيق التقدم في شكل رئيسي». وانتقد «انتقائية واستنسابية الوفود الأخرى في مقاربتها للقرار 2254» الذي قال إنه «واسع وشامل ويجب أن نراعيه بكل أحكامه. فهو يتحدث عن مكافحة الإرهاب ويجب أن نتطرق إلى ذلك، ويتطرق إلى حوار سوري - سوري من دون تدخل خارجي وشروط مسبقة». وشدد على أن أولوية الوفد الحكومي في الجولة المقبلة هي بحث «محاربة الإرهاب». وإذ رأى الجعفري في الهجمات الإرهابية في بروكسيل ضرورة ل «التوحد ضد الإرهاب»، اتفق دي ميستورا والمعارضة على أن «الحل اللازم لمكافحة الإرهاب يمر بالتوصل إلى صيغة للانتقال السياسي في سورية». وأبدى وفد «الهيئة التفاوضية» انخراطاً مع جهود دي ميستورا وجرى تبادل للوثائق إزاء أسس الحل السياسي. وقال علوش في رسالة إلكترونية إلى «الحياة» أمس: «وضعنا ورقتنا ولم نلتفت إلى النظام ولم نبحث ما إذا كانت ورقته (التي سلمها الجعفري قبل أيام وتضمنت أسس الحل) مقبولة أم غير مقبولة. بل وضعنا ورقة مبادئ تخص الثورة السورية معتمدين فيها على البيان الختامي لمؤتمر الرياض (نهاية العام الماضي) بحذافيره». وأضاف أن وثيقة «الهيئة التفاوضية» المعارضة «قدمت إلى دي ميستورا ولاقت اهتماماً وعناية كبيرين من الأممالمتحدة، وهي تتمحور حول تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تؤدي إلى انتقال حقيقي للسلطة، فيما ورقة النظام لا تؤدي إلى انتقال حقيقي للسلطة. القول إننا قبلنا نصفها أو ثلثها أو هناك توافقاً حول مبادئ عامة، ليس دقيقاً. نحن لا نبني موقفنا على رؤية النظام، بل نبنيه على رؤية وضعناها من خلال مطالب الشعب وما جاء في القرارات الدولية بينها القرار 2254». وكان الجعفري سلم دي ميستورا وثيقة من صفحتين فيها عشرة مبادئ للحل السياسي، تتعلق بوحدة سورية واستعادة الجولان ومكافحة الإرهاب ورفع العقوبات ودعم الجيش. كما ركز الجعفري على عناصر أخرى في القرار 2254 على أساس أن «آليات الحوار والتغيير السياسي والانتقال السياسي وحكومة الوحدة الوطنية كلها جزء لا يتجزأ من جدول الأعمال». في المقابل، سلّم وفد «الهيئة» وثيقة لمبادئ الحل، قال معارضون إن فيها تقاطعات مشتركة مع وثيقة الحكومة. لكن علوش نفى ذلك أمس. وأكدت وثيقة «الهيئة» على «الحفاظ على مؤسسات الدولة وإصلاحها ووجوب إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها العسكرية والأمنية وبناء الجيش الوطني على أسس وطنية ومهنية وحق حيازة السلاح بمؤسسات الدولة» التي هي «مدنية» وليس «علمانية» كما جاء في الوثيقة الأخرى، إضافة إلى أنه لا يمكن بدء الانتقال السياسي من دون تشكيل «الهيئة الانتقالية» التي ستشرف على صوغ دستور جديد وتحضّر للانتخابات وتكفل عمل مؤسسات الدولة، ما يتطلب أن تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، بموجب «بيان جنيف» للعام 2012. «إعلان القاهرة» وقال ممثل «مجموعة مؤتمر القاهرة» جهاد مقدسي بعد لقائه المبعوث الدولي أمس: «سمعنا من دي ميستورا أنه سيصدر وثيقة تتضمن رؤية مشتركة محتملة. ليست جاهزة بعد لكننا نعتقد أنها في الاتجاه الصحيح وتغطي الكثير من النقاط المهمة لمجموعة الرياض ومجموعة القاهرة ومجموعات موسكو»، لافتاً إلى أنه سلم إلى المبعوث الدولي وثيقتين، الأولى هي النص الكامل ل «إعلان القاهرة» الذي تضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة ومجالس أخرى بينها مجلس عسكري، فيما تضمنت الثانية مبادئ الحل السياسي استناداً إلى «الإعلان» وإضافة البيانات الدولية والقرار 2254 التي صدرت في الفترة الأخيرة. وفي موازاة المفاوضات غير المباشرة، عقد أمس اجتماعان لمجموعتي العمل الخاصتين بوقف العمليات القتالية والمساعدات الإنسانية. وقال ديبلوماسي غربي إن الجانب الروسي أبلغ الحاضرين موافقة دمشق على إيصال مساعدات إلى مناطق محاصرة وأن «برنامج الغذاء العالمي» سيحاول اليوم إلقاء مساعدات على مدينة دير الزور شرق سورية التي يحاصرها «داعش». وجرى نقاش تفصيلي إزاء مدينتي داريا جنوب غربي دمشق ودوما شرقها اللتين كان دي ميستورا تحدث عن إدخال مساعدات إليهما. وأوضح الديبلوماسي أن المبعوث الروسي أبلغ الحاضرين أن «هناك مخاطر في داريا بسبب وجود جبهة النصرة»، الأمر الذي نفاه نشطاء معارضون، مؤكدين على محلية الموجودين سواء كانوا مدنيين أو عسكراً. وفي مجموعة «وقف العمليات القتالية»، أبلغ الجانب الأميركي نظيره الروسي بتقارير من نشطاء وجمعيات حقوقية عن وجود خروقات في أرياف دمشق وحماة وإدلب جراء قصف الطيران السوري مناطق عدة أسفر عن سقوط قتلى.