لم يكن مصير الرئيس بشار الأسد «العقدة» الوحيدة التي رحّلها الجانبان الأميركي والروسي للوصول إلى تفاهم الحد الأدنى في قرار مجلس الأمن 2254، بل هناك عقبات أخرى لا تزال قائمة أمام «خريطة الطريق» التي رسمها أول إجماع دولي على قرار سياسي منذ خمس سنوات، في وقت استعجل ممثلو النظام والمعارضة، الأقل تأثيراً في التفاهمات الدولية- الإقليمية، في إعلان تحفظات مختلفة عن القرار. واعتمد القرار، بعد مفاوضات شاقة في نيويورك بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والوزراء ال17 في «المجموعة الدولية لدعم سورية»، «الغموض البنّاء» والتنازلات المتبادلة للحصول على الإجماع، فكانت الصيغة النهائية الحد الأقصى الذي يصعد إليه الروس والحد الأدنى الذي ينزل إليه الأميركيون. وأقر القرار برنامج بيان «فيينا» الصادر في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عبر رعاية دولية مفاوضات بين النظام والمعارضة لتشكيل حكومة خلال ستة أشهر تطرح دستوراً جديداً وانتخابات بإدارة ورقابة الأممالمتحدة في 18 شهراً. واستعجلت واشنطنوموسكو عقد المحادثات في جنيف في الأسبوع الأول من الشهر المقبل. ومهّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإصدار القرار خلال الرئاسة الأميركية لدورة مجلس الأمن، بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو الثلثاء. ويعتقد أن واشنطن تخلت عن مطلبها تنحي الأسد بمجرد تشكيل الهيئة الانتقالية بعد انتهاء مرحلة التفاوض (بين 4 و6 أشهر)، مقابل موافقة موسكو على إصدار البرنامج الزمني للمرحلة الانتقالية في قرار دولي وترك «عقدة» الأسد معلقة الى حين إجراء الانتخابات في نهايتها. لكن قبل أن يجف حبر القرار، عاد الخلاف الروسي- الغربي حول مصير الرئيس السوري. إذ جدد الرئيس باراك أوباما التأكيد على تنحي الأسد، فيما قال بوتين إن في الإمكان العمل مع جميع الأطراف، بمن فيها الأسد، لإنجاز الحل السياسي. ويشبه هذا الموقف إلى حد كبير تصريحات مسؤولي البلدين بعد صدور «بيان جنيف» في حزيران (يونيو) 2012، إذ أعلنت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أن البيان يعني «التنحي الفوري للأسد»، فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن البيان «لم يتعرض» للأسد، وإن الهيئة الانتقالية «تحت الأسد» و «صلاحياتها التنفيذية الكاملة لا تتعلق بالجيش وأجهزة الأمن». وبحسب المعلومات، فإن الروس سعوا في المفاوضات السابقة لإصدار القرار 2254 إلى إزالة أي إشارة إلى «بيان جنيف» وضغطوا لحذف فقرة في مقدمة القرار نصت على «إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة تعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة مع ضمان استمرارية المؤسسات الحكومية»، لكن الجانب الأميركي مدعوماً بحليفيه البريطاني والفرنسي، أصروا عليها مع قبول طلب روسي تكرار الإشارة إلى بياني فيينا الأول والثاني. وبدا واضحاً أن موسكو سعت إلى خلق مرجعية بديلة من «بيان جنيف» عبر التركيز على بياني فيينا، على أساس اعتقادها أن الظروف التي صدر بها «بيان جنيف» تغيرت، سواء لجهة تنامي خطر «داعش» أو لجهة فشل تجربة «تغيير النظام» في ليبيا، إضافة إلى انعكاسات التدخل العسكري الروسي في سورية. وكررت تعديلات موسكو المقترحة أكثر من مرة ذكر «الإرهاب» و «خطر الإرهاب» و «حكومة الجمهورية العربية السورية» في إطار مساعيها إعادة الشرعية إلى النظام مقابل اقتراح دول غربية عبارة «النظام»، غير أن القرار تحدث عن «سلطات» و «حكومة» سورية. وتتعلق العقبة الثانية بالمهلة الزمنية لتشكيل الحكومة، إذ اكد كيري حصول ذلك خلال «شهر أو شهرين»، فيما اقترح لافروف «ستة أشهر»، علما أنه رفض إدراج ذلك في القرار، فيما تخص العقبة الثالثة وقف النار على الأراضي السورية كافة، إذ إن خبراء الأممالمتحدة عكفوا على صوغ خطة لوقف النار وإرسال المراقبين وآليات ذلك، بحيث يتوقف النار بين قوات النظام والمعارضة مقابل «تصعيد» النار من قبل هذه القوات المشتركة ضد «داعش» والإرهابيين. ولم يشترط القرار مسبقاً وقف النار لبدء المفاوضات، لكن اقترح أن يدخل حيّز التنفيذ «حال اتخاذ ممثلي الحكومة السورية والمعارضة الإجراءات الأولية على طريق الانتقال السياسي برعاية الأممالمتحدة». وتطرح أسئلة عن مدى التزام وقف النار من «داعش» و «النصرة» اللذين لم يشملهما الاقتراح، إضافة إلى تساؤلات عن دور ميليشيا إيرانية، وسط مطالب ب «انسحاب جميع المقاتلين الأجانب» وموعد حصول ذلك. وتتعلق العقبة الرابعة بالتنظيمات الإرهابية، إذ فشل الاجتماع الوزاري ل «المجموعة الدولية» في إقرار قائمة موحدة بعد تقديم وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إفادة حول نتائج استشارات أجرتها عمّان مع أطراف مختلفة وتضمنت قائمة مقترحة بنحو 167 تنظيماً «إرهابياً». وعندما أصرت دول على إدراج فصائل معارضة مثل «أحرار الشام» و «جيش الإسلام»، ردت دول عربية باقتراح 18 ميليشيا إيرانية، بينها «الحرس الثوري الإيراني». وكانت التسوية بتشكيل مجموعة عمل من إيرانوروسيا والأردن وفرنسا كي تقدم لائحة إلى الأممالمتحدة. وكان الجانب التركي اقترح وضع «حزب الاتحاد الديموقراطي» بزعامة صالح مسلم ضمن لائحة الإرهاب على رغم دعم أميركا قواته (وحدات حماية الشعب) ضد «داعش». ويقترح المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، في المقابل، أن يكون مسلم جزءاً من الوفد التفاوضي. وهنا تكمن العقبة الخامسة وتتناول تمثيل المعارضة أو «القائمة البيضاء». إذ أصرت روسيا على نقل فقرة تتعلق بالإشادة بنتائج المؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض من الفقرات العاملة في القرار 2254 إلى المقدمة، إضافة إلى أنها أضافت مؤتمري القاهرةوموسكو، كي يقوم دي ميستورا بالاختيار منها (المؤتمرات الثلاثة) وفداً للمعارضة. ووافقت واشنطن على ذلك بعدما حذفت اقتراحاً روسياً بالاعتماد أيضاً على مؤتمري المعارضة في دمشق للأحزاب المرخصة من النظام والحسكة الذي عقدته الإدارات الذاتية الكردية بالتزامن مع مؤتمر الرياض، وانتخبت «المجلس السوري الديموقراطي». وتردد أن دي ميستورا وافق على اقتراح موسكو إضافة أسماء إلى الوفد المعارض، بينهم هيثم مناع ممثل «المجلس السوري الديموقراطي» وقدري جميل. هذا يفسر قلق المعارضة، إذ قال رئيس «الائتلاف الوطني السوري» خالد خوجة، إن القرار الدولي «بمثابة تقويض لمخرجات اجتماعات قوى الثورة في الرياض وتمييع للقرارات الأممية السابقة المتعلقة بالحل السياسي». وعلمت «الحياة» أن الهيئة العليا للمفاوضات التي تضم ممثلي جميع أطياف المعارضة، بما فيها «الائتلاف» و «هيئة التنسيق» (معارضة الداخل) ومستقلين وممثلي 15 فصيلاً مقاتلاً، تريثت في إرسال قائمة وفدها إلى دي ميستورا، في انتظار التأكد من أنباء أنه قرر إضافة 10 أسماء إلى قائمة الهيئة التي تضم 15 اسماً. في المقابل، ترى دمشق أن «نجاح أي مسار سياسي يتطلب انخراط الحكومة فيه كشريك أساسي»، على حد تعبير مندوب سورية لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري.