طهران، واشنطن - أ ب، رويترز، أ ف ب - فرض مجلس الأمن أشد عقوباته على إيران أمس، بحيث تعدّت تلك التي تكبّل كوريا الشمالية، بتأييد 12 دولة وبإجماع الدول النووية الخمس الدائمة العضوية في المجلس، وبتصويت البرازيل وتركيا ضد القرار وامتناع لبنان وحده عن التصويت. واعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما ان العقوبات «وهي الأكثر حزماً حتى يومنا»، توجه «رسالة لا لبس فيها» الى إيران التي اتهم قادتها بالاختباء وراء شعارات «وهمية»، معتبراً ان مسلك البلاد يثير مشاكل عميقة. وقال: «نحترم حقوق إيران، لكن هذه الحقوق تأتي معها مسؤوليات». وشدد على ان العقوبات لا تغلق باب الحوار الديبلوماسي، مؤكداً ان بلاده «ستضمن تطبيق هذه العقوبات بقوة». في حين رد الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي يزور طاجيكستان بأن العقوبات لا تساوي قرشا» و»تستحق ان تلقى في سلة المهملات». وقال في خطاب في دوشانبي «هذه القرارات لا تساوي قرشا واحدا في نظر الامة الايرانية. انها ليست سوى مناديل قديمة تستحق ان ترمى في سلة المهملات». واكد الرئيس الايراني ان العقوبات الجديدة «لن تستطيع الوصول الى الايرانيين»، مضيفا «نحن صبورون وسنقاوم. ومن يواصلون اصدار قرارات ضدنا بذريعة ان ايران قد تصنع مستقبلا القنبلة النووية هم من يملكون قنابل نووية واستخدموها ويخزنونها او يهددون الاخرين بها». وفي أنقرة، أعلنت الخارجية التركية في بيان ان «تركيا قلقة لاحتمال ان يضر قرار مجلس الأمن بالجهود الديبلوماسية، وبالنافذة التي فتحت امام تسوية سلمية لمسألة البرنامج النووي الإيراني». غير ان مكتب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قال في بيان ان تركيا صوتت ضد العقوبات لانها تريد مواصلة العمل الديبلوماسي مع ايران. واستغرق صنع القرار الرقم 1929 الذي تبناه المجلس أمس، خمسة شهور من المفاوضات أسفرت عن موافقة روسيا والصين على عقوبات قاسية تشمل قطاعات المصارف والملاحة والمفاعلات النووية والصواريخ الباليستية، وتتضمن حظر توريد أسلحة تقليدية الى إيران التي منعتها القرارات السابقة من تصدير الأسلحة. وضمن أبرز ما ينطوي عليه قرار العقوبات، سابقة إعطاء الدول حق طلب تفتيش السفن في المياه الدولية الآتية الى إيران، وإنشاء لجنة خبراء تتمتع بصلاحيات واسعة تشمل التدقيق والتحقيق داخل الدول التي يُشك في إمدادها إيران بالسلاح أو تصدير إيران السلاح إليها. وتستهدف العقوبات في صورة خاصة «الحرس الثوري» الإيراني الذي خصّه القرار بالملحق الثاني الذي حمل عنوان «الكيانات التي يمتلكها أو يسيطر عليها أو تتصرف نيابة عن الحرس الثوري». ويدرج هذا الملحق «قائمة سوداء» بأسماء الشركات والكيانات، فيما يركز الملحق الثالث على شركة الملاحة التابعة للجمهورية الإسلامية، مدرجاً 22 شركة وكيانات مرتبطة بالنشاطات النووية أو بنشاطات الصواريخ الباليستية. ويتطرق القرار الى مسألة الطاقة في فقراته التمهيدية، ويلحظ «الصلة المحتملة بين إيرادات إيران المتأتية من قطاع الطاقة والقدرة على تحويل نشاطاتها الحساسة من حيث انتشار «الأسلحة النووية». ويؤكد المجلس في قراره أن «ما من شيء في هذا القرار يحمل الدول على اتخاذ تدابير أو إجراءات تتجاوز نطاق هذا القرار، بما في ذلك استعمال القوة أو التهديد باستعمالها». إلا أن القرار يعطي للدول صلاحية اعتراض حركة الملاحة من إيران وإليها في المياه الدولية، إذ يجيز لها أن تطلب «إجراء عمليات تفتيش السفن في أعالي البحار» إذا كانت هناك معلومات «توفر أساساً معقولاً للاعتقاد بأن السفينة تحمل أصنافاً محظور توريدها أو بيعها أو نقلها أو تصديرها» يمكن استخدامها في تطوير البرنامج النووي الإيراني. وجاء تصويت تركيا والبرازيل ليفاجئ الدول التي توقعت، بحسب مصادر، ان تمتنعا عن التصويت وليس التصويت ضد القرار. وشرحت المندوبة البرازيلية لدى الأممالمتحدة ماريا لويزا ريبيرو فيوتي تصويت بلادها، مؤكدة إن العقوبات ستؤذي الناس وأن تجربة العراق أثبتت عدم جدواها، وكذلك حماية لمساعي برازيليا وأنقرة واتفاق تبادل الوقود النووي الذي توصلتا إليه مع طهران، معربة عن «أسف عميق» لعدم إعطاء «إعلان طهران» فرصة للنجاح. وقالت إن قرار العقوبات «يبعث الرسالة الخاطئة» و»سيؤخر» الحلول و»يقوض» سكة المفاوضات. وشرح المندوب التركي ارتغرول اباكان تصويته، بقوله إن لا بديل عن المفاوضات لمعالجة الأزمة مع إيران، معتبراً أن «إعلان طهران أوجد واقعاً جديداً في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني» و»يوفر نافذة جديدة ومهمة للديبلوماسية». ورأى أن قرار العقوبات يعطّل الحلول «الديبلوماسية». ويبقى القرار مُلزماً لكل الدول، بما في ذلك تركيا والبرازيل، نظراً إلى تبنيه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وقالت المندوبة الأميركية سوزان رايس إن القرار يمثل «الرد الحاسم لمجلس الأمن على التهديد الخطر للسلام والأمن الدوليين الذي فرضه فشل إيران في تنفيذ التزاماتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة» النووية. ووصفت العقوبات بأنها «قاسية بقدر ما هي ذكية ودقيقة». وأضافت أن «العقوبات ليست موجهة ضد الشعب الإيراني» وإنما تهدف وراء احتواء «الطموحات النووية لحكومة اختارت طريق سيؤدي الى المزيد من عزلها». أما المندوب الروسي فيتالي تشوركين فوصف العقوبات بأنها «إجراء اضطراري وتطبيقه يستلزم أسلوباً محسوباً بعناية وحذر، بحيث يخلو من الإفراط»، مشدداً على أن «روسيا ستمضي في بذل جهود مهمة لإقناع إيران» بالتعاون مع القرارات. وأكد ضرورة إيجاد «تسوية سلمية» للمسألة الإيرانية، مضيفاً: «نتوقع من إيران» أن تبدأ بالتجاوب مع «الرزمة». وأضاف إن التجاوب سيؤدي إلى رفع العقوبات. ورأى أن بناء روسيا مفاعل «بوشهر» النووي دليل على تأييد موسكو حق طهران في الحصول على طاقة نووية لأغراض سلمية. المندوب الصيني لي باودونغ شدد على أن الهدف من العقوبات هو «إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات»، مؤكداً ضرورة الالتزام بثلاثة مبادئ: عدم السماح بخروقات للمعاهدة النووية، مع حق إيران بالطاقة النووية السلمية. وضرورة أن يكون الإجراء متماشياً مع الأمن والسلم في الشرق الأوسط وخصوصاً الخليج، وثالثاً التأكيد على الجهود الديبلوماسية لتسوية الأزمة مع إيران. وقال إن العقوبات ستُعلّق، بل ستُرفع، إذا تجاوبت إيران مع مجلس الأمن. مندوب لبنان نواف سلام شرح امتناعه عن التصويت، مشيراً الى ضرورة انضمام إسرائيل الى المعاهدة النووية ليتحول الشرق الأوسط الى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وشدد على حق إيران بالطاقة النووية السلمية، معتبراً أن «إعلان طهران» يشكل «خطوة مهمة على طريق الحل الديبلوماسي»، على رغم أنه «لم يُعطَ العناية التي يستحق». ورأى ان قرار العقوبات يشكل «نكسة أليمة» للجهود الديبلوماسية، داعياً الى إيجاد حلّ على قاعدة «الاحترام المتبادل والتعاون البنّاء». واتهم المندوب الإيراني محمد خزاعي مجلس الأمن ب»الازدواجية» بسبب دول تهيمن عليه وتعفي «النظام الصهيوني» في إسرائيل من المحاسبة. وأعلن أن «إيران لم ولن تذعن أبداً» للإجراءات «العدائية» لهذه الدول التي تهيمن على المجلس، معرباً عن شكره لتركيا والبرازيل وللمندوب اللبناني. وقرأ المندوب البريطاني السير مارك ليال غرانت بياناً لوزراء خارجية الدول الست، جاء فيه أن الوزراء «يعيدون تأكيد تصميمهم والتزامهم السعي نحو حل تفاوضي» للملف الإيراني، معتبرين أن القرار «يبقي الباب مفتوحاً أمام استمرار الانخراط بين الدول الست» (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا). وأضاف البيان: «هدف جهودنا هو تحقيق تسوية شاملة بعيدة المدى، تستعيد الثقة بالطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني». وأعلنت الخارجية الروسية أن القرار «يستبعد إمكان استعمال القوة أو التهديد باستخدامها»، فيما شدد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين على ان أي عقوبات هي «غير فاعلة». وحض المجتمع الدولي على عدم اتخاذ «مبادرات متسرعة» إزاء إيران، معلناً رفضه «الكلام عن استخدام القوة». ورأى ان «هذا الأمر سيؤدي الى مأساة هائلة، من دون اي نتيجة إيجابية»، مشيراً الى «التداعيات الكارثية» على مستوى زعزعة الاستقرار الإقليمي و»تحول العالم الإسلامي إلى التشدد». ورأى الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو ان «باب الحوار لا يزال مفتوحاً» أمام إيران للتوصل الى «حل تفاوضي يلبي حاجات إيران ويبدد في آن قلق الأسرة الدولية». أما سيلفان شالوم نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي فاعتبر العقوبات «خطوة كبرى في الاتجاه السليم». على صعيد آخر، بدأ مجلس محافظي الوكالة الذرية مناقشة الملف النووي السوري، في جلسة شهدت بياناً شديد اللهجة قدمته مجموعة الدول العربية، وأكدت فيه على «الموقف العربي الداعم لسورية في هذا الصدد». وشدد السفير ميخائيل وهبة رئيس بعثة الجامعة العربية في تصريح إلى «الحياة»، على أهمية إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، مشيراً إلى «ازدواجية المعايير الصارخة»، في إشارة إلى إسرائيل التي يبدأ المجلس اليوم مناقشة بند حول «قدراتها النووية»، للمرة الأولى منذ العام 1991.