تعد البيعة ركناً من أركان الدولة الإسلامية، ويعني مفهوم البيعة في الإسلام ذلك العهد المتبادل بين الإمام أو الحاكم أو ولي الأمر أو الخليفة وبين الرعية على إقامة نظام الحكم، وفقاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والبيعة ميثاق الولاء للنظام السياسي الإسلامي، والالتزام بجماعة المسلمين، والسمع والطاعة لولي الأمر في المنشط والمكره. واتخذت المملكة العربية السعودية من هذا المبدأ منهجاً واضحاً وثابتاً تطبقه في تعيين ملك البلاد، منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، واستمرت في تطبيقه كلما دعت الحاجة إلى تعيين ملك جديد. ونظراً لأهمية هذا المبدأ، وحرصاً من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على ترسيخه وتوحيد قواعده، فقد أسس هيئة البيعة في عام 1427ه، وهي هيئة تعنى باختيار ملك البلاد، وولي عهده من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل. واعتادت حكومة المملكة على الاحتفال الرسمي بذكرى البيعة لملك البلاد كلما مرت سنة على مبايعته، وهو احتفال لتجديد الولاء والطاعة لملك البلاد، وولي عهده الأمين، ويتم الحديث في هذه المناسبة عن الإنجازات التي قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين ورصدها وتوثيقها خلال عام كامل، كما يتم الحديث عن المشاريع والخطط، والاستراتيجيات المستقبلية، وعن مواقف المملكة السياسية والإنسانية في الداخل والخارج، ولا يتوقف الحديث عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى مراجعة أوجه القصور في تنفيذ المشاريع وبحث أسبابها ومحاسبة المقصرين، وهو الأمر الذي شدد عليه خادم الحرمين مرة بعد مرة، داعياً المسؤولين التنفيذيين إلى تحمل مسؤولياتهم وعدم تغييب المشاريع التي تطرحها الدولة لخدمة المجتمع، ولعل صلابة موقفه وسرعة تجاوبه مع كارثة سيول جدة خير دليل على تتبعه كل ما يهم المواطن والمقيم. خادم الحرمين كسب قلوب شعبه وذلك جزء من حب المواطن لقيادته، ثم كسب احترام العالم بسياسته الواضحة والشفافة التي شكلت نواة للعمل بشفافية في المؤسسات الحكومية، كما أن خادم الحرمين يعمل وبصراحة متناهية على محاربة الفساد، ورفع درجة القبول بالرأي الآخر، وتنويع الوسائل الإعلامية ومنحها الحرية في الغوص في قضايا المجتمع، وتعزيز سياسة الباب المفتوح، واتساع دائرة النقد البناء، وهذه من علامات الشفافية التي تقوم على مبدأ الاعتراف بالخطأ، وهو المنهج الذي اختطه الملك عبدالله استعداداً لدخول المستقبل ومواجهة تحديات الحاضر من دون أن يفرط بالماضي الذي يستند إليه في كل قرار. بين ذكرى البيعة الماضية وذكرى البيعة لهذا العام مسافة زمنية قصيرة، إلا أن المنجز يفوق المتوقع، ومن سيحاول الرصد سيبذل جهداً غير يسير لتوثيق هذه الإنجازات وقراءتها في سياقها الحضاري العام ضمن المرحلة التاريخية في عهد خادم الحرمين التي تتسم بصورة عامة بالتأكيد على استثمار قيم التسامح والحوار والشفافية والمسؤولية الاجتماعية للدولة لرفعة الوطن والمواطن، فالتاريخ لن ينسى هذه المرحلة التاريخية وستكون له معها وقفة كبيرة ولن تكون مجرد مرحلة عابرة في حياة الشعب السعودي، وهي مرحلة ستفرض ذاتها على التاريخ لثرائها وتلاحق المتغيرات فيها. وما تحقق في ظل حكومة خادم الحرمين وولي عهده والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء سيضيف بعداً جديداً لمنظومة العمل السعودي الحقيقي في مجال التنمية والإصلاح، فهم استثمروا المكانة التاريخية للمملكة العربية السعودية قاعدة للانطلاق نحو التفاعل مع المجتمع الدولي وفق مبادئ إسلامية راسخة، وتمكنوا من بناء دولة معاصرة وإحداث نقلة نوعية في الداخل والخارج، ففي الداخل هناك تفاعل وحراك اجتماعي. ذكرى البيعة أيضاً، نقطة لرؤية موقعنا الحضاري وإمكاناتنا التنموية لتطوير نقاط التقدم والتطور فيها ومعالجة عوامل القصور ومظاهر النقص، والتأكد من عدم تجاوز المبادئ الإسلامية التي قامت عليها الدولة أو التعرض لقيمها الدينية والاجتماعية. وفي الحديث عن صفات الملك الشخصية، فإن ما يتمتع به خادم الحرمين الشريفين من صفات: التواضع، والبساطة، والقرب من الناس، والحزم عند الشدائد وإصراره على مشروع الإصلاح والتغيير، فإن هذه الصفات صفات متأصلة، ولا تحتاج إلى شهادة أحد، فقد انطبعت بها شخصيته وكانت سبب المحبة الشعبية التي حضي بها على المستويين المحلي والعالمي. وتتجلى الإنسانية في شخص الملك في أكثر من قرار ومناسبة، لكن موافقته وحرصه على إجراء جراحات فصل التوائم السيامية، ومتابعة الحالات بنفسه وعيادته للمرضى، ترسم صورة مشرقه للحاكم العادل. يذكر أن جراحات فصل التوائم، هي التي أعطت المملكة لقب «مملكة الإنسانية» وقائدها «ملك الإنسانية». استحقت المملكة واستحق قائدها هذا اللقب العالمي نظراً إلى المواقف الإنسانية الكثيرة التي ليس أولها المساعدات والمعونات السخية التي تقدمها المملكة للدول الشقيقة والصديقة، وليس آخرها جراحات فصل التوائم السياميين، تلك المساعدات والجراحات التي شملت جميع الشعوب والأمم، من دون تفرقة. وإذا كانت المملكة حققت إنجازات سريعة، ولافتة، ومميزة في عهد خادم في الداخل والخارج، فإن لهذه الصفات التي تفردت بها شخصيته وتربى عليها أبناء شعبه عظيم الأثر في نجاح مسيرة التنمية، والتحديث، والتطوير التي تشهدها بلادنا. وقد أولى خادم الحرمين القطاع الصحي في المملكة جل اهتمامه بدءاً بتوفير الرعاية الطبية لكل مواطن، والشاهد على ذلك ما يجري على أرض المملكة من جراحات دقيقة ومعقدة كجراحات القلب المفتوح، وجراحات فصل التوائم، وغيرها. كما أولى التعليم اهتماماً كبيراً ليس من خلال مشروعه لتطوير التعليم، أو التوسع في بناء الجامعات والتركيز على الابتعاث فحسب، بل في عمله الدؤوب في توطين العلم، من خلال افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا لتكون إضافة نوعية ونقلة كبيرة نحو المنافسة في العلوم والتقنيات الحديثة، وهي الجامعة التي وصفت بأنها هارفارد الشرق الأوسط. ويحسب للمملكة في عهد الملك عبدالله إنها وضعت هموم الأمة في صلب سياستها، فسياسة المملكة الخارجية كانت دائماً تضع في أولوياتها وحدة الأمة العربية والإسلامية بل كانت سباقة لدعوة العالم أجمع إلى محاربة الإرهاب والتطرف أياً كان نوعه ومصدره ونبذ العنف والخلافات وإلى التعايش السلمي الآمن من خلال مبادرات حوار الحضارات التي أطلقها ودعمها خادم الحرمين والتي كانت محل الرضا من مختلف أطياف الأسرة الدولية ومن خلالها فهو بحق رجل السلام الأول في العالم. وأسس الملك عبدالله مدرسة عالمية للحوار من خلال مبادرته للحوار العالمي لتجسد تطلع العالم الإسلامي نحو السلام وحل الخلافات والنزاعات الدولية بالطرق السلمية وتحقيق التقارب الإنساني. br / ومنذ أن تولى خادم الحرمين مقاليد الحكم عام 1426ه أخذ على عاتقه إظهار الإسلام بوجهه المشرق والصافي، وكان في أول خطاب له يركز على أن الدولة دستورها الكتاب والسنة وشدد على التمسك بهما ونبذ كل ما يخالفهما وانهما منهج هذه البلاد وركنها الركين وأساسها المتين، ومما جاء في كلمته:»أعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة ثم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء». كما ظهرت في عهد خادم الحرمين المشاريع الكبيرة وذات البعد الوطني، كما في مشروع الإسكان التنموي، الجامعات المتعددة والعلمية المتقدمة، والمدن الاقتصادية، وعمارة الحرمين والمشاعر المقدسة.