في تقاطع من الشوارع الضيقة في المدينة القديمة في غزة يرتفع باب أسود مزخرف يؤدي الى عالم مختلف عما حوله، فهو باب قصر صغير قديم يعود تاريخه الى 430 عاماً. القصر الصغير واحد من الاثار القليلة المتبقية في قطاع غزة المحاصر الذي يعاني من دمار الحروب والضغط السكاني والاهمال. ولم يحظ المبنى الواقع في ما كان يعرف سابقا بالحي المسيحي بأي اهتمام سابقاً، الى أن قرر الاكاديمي الفلسطيني عاطف سلامة البالغ من العمر 46 عاماً أن يعيد المبنى إلى ما كان عليه، منفقا في سبيل ذلك من امواله الخاصة. وتحظى الدار ذات الطبقتين بمميزات المباني القديمة، فسماكة جدرانها توفر الدفء في الشتاء وبرودة الجو في الصيف. ويقول عاطف سلامة: "نجحنا في دمج الحداثة مع التقليد، مع المحافظة على تراث" البيوت المشرقية التي كانت منتشرة في لبنان وسورية وفلسطين. وعلى مرمى حجر من هذا القصر، ترتفع كنيسة قديمة، في المدينة القديمة ذات الابواب الحجرية السبعة والمنازل التراثية. الى ذلك، اختفت بيوت قديمة تحت الطبقات الجديدة التي ارتفعت فوقها على مر الاجيال. ومر على هذه المنطقة التي تصل افريقيا بآسيا الفراعنة والرومان والبيزنطيون والمسيحيون الاوائل والجيوش الاسلامية. ويعمل المتخصص في التراث فضل العطل على تعريف الشباب بتراث غزة وتاريخها، وينظم لهذه الغاية رحلات الى دير القديس هيلاريون الممتد على هكتارين جنوبغزة. ويقول "كانت النقود هنا تسك من الذهب او الفضة.. والشباب يفرحون حين يعلمون ان غزة كانت يوما ما ثرية". في الايام الماضية، عثر في المدينة القديمة على أعمدة رخام وقطع اثرية لكنيسة تعود للعهد البيزنطي، خلال قيام جرافات بحفر الارض تمهيدا لبناء مجمع تجاري. غير أن وزارة الاثار والسياحة لم توقف اعمال البناء في هذا المجمع التجاري الذي سيتكون من 18 طبقة والذي تملكه وزارة الاوقاف والشؤون الدينية التي تديرها حركة "حماس"، في ظل احتجاج مسؤولين فلسطينيين مسيحيين. ونقل فنيون من وزارة الاثار والسياحة الاعمدة والتيجان والقواعد الرخامية المزخرفة، للمتحف الوحيد في غزة "قصر الباشا" لتنظيفها وترميمها قبل عرضها. وتقول المتخصصة في علم الاثار هيام البيطار الموظفة في الوزارة ان هذه البقايا التي اكتشفت صدفة هي آثار "مبنى ديني، كنيسة تعود الى العصر البيزنطي". وعثر ايضا على العديد من الطبقات الاثرية مع الحفريات منها ما يعود للعهد البرونزي، وبعض الجثث لحيوانات وفخاريات وصحون وأوان فخارية مهشمة ربما بفعل الجرافات، بحسب الخبراء. ويشير الباحث في الاثار في الجامعة الاسلامية محمد الزرد إلى "ضعف الامكانيات المادية وقلة الادوات والطواقم للبحث عن الاثار هنا"، مناشداً منظمة "يونيسكو" والمنظمات التي تهتم بالاثار "انقاذ اثار غزة من الضياع". كما أن مشاريع الحفاظ على الآثار تتطلب عملا على المدى الطويل، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عشر سنوات، عدا عن الحروب المتعاقبة. ويرى فضل العطل أن الحفاظ على التراث في غزة في هذه الظروف يتطلب تدخل هيئات دولية مثل "يونيسكو"، او مبادرات من افراد مقتدرين.