معامل ومختبرات الغرب الفكرية والفلسفية انتجت للبشرية بعد مخاض طويل وحروب طاحنة آخرها الحرب العالمية الثانية، ما يُعرف بالديموقراطية، أخرجها الغرب للعالم وقدمها على أطباق المبادئ والقيم والعدالة، تديرها وترعاها مؤسسات المجتمع المدني لضمان موثوقية رعاية حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة. ألهبت ثورة الديموقراطية المشاعر وأيقظت أحاسيس وإبداعات الساسة والمفكرين والفلاسفة والشعراء والفنانين، مدفوعة بثورة اتصال متنامية بشرت بها خلاصاً للبشرية من قوى الديكتاتورية بأساليبها الغاشمة المتغلغلة آنذاك في دهاليز صناعة القرارين السياسي والعسكري، وبدأت أنوار الحرية تشرق في بلدان مسحوقة بمعادلة وأفكار وأمزجة حكم الأفراد السلطوية. تساقطت أوراق الشيوعية بعد سقوط الراعي والملهم آنذاك «الاتحاد السوفياتي» وتخلص الغرب من آخر عقبات تقف أمام تمدد خلية الديموقراطية على بقية أجزاء كوكب الأرض، مدعومة برغبات الشعوب في التغيير، رافعين بأيديهم مشاعل التبرير المنطقية لتطور علمي وتقني وأسلوب حياة مدنية واضحة الحقوق والمعالم في أميركا والقارة الأوروبية. تطورت الأحداث وتعاقبت التطورات، وكانت خلية الديموقراطية الغربية المدفوعة والقابلة للتمدد على المحك الاختباري لصُنّاعها، لأنها أصبحت في مواجهة المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما حتم على أهل الديموقراطية إعادة تشكيل المفاهيم والمعايير خارج أروقة معامل العدالة الطبيعية، وأفرزت واقعاً جديداً تَمَثلّ في انشطار خلية الديموقراطية إلى خليتين، واحدة من أجل أصحاب العيون الزرقاء ومن يعيش في كنفهم وأحبابهم «وليس أصدقاؤهم»، وخلية للتعامل الدولي تحمل ظاهراً ديموقراطياً لحماية الحرية مسكونة بباطن دكتاتوري وعنصري بغيض، أبشع صورة وممارسة من زمن حُكم الحديد والنار، وهذه هي الخدعة الكبرى التي تلعبها وتمارسها دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية مع الدول المرعوبة أو المترددة ضعيفة الإرادة والعدة. كان لابد لهذا المنتج الجديد من تحريف للمفاهيم والقوانين، وقولبة للمعايير محكومة بقوى الفيتو المتغلفة والمسيطرة على محاكم ومؤسسات أممية لحماية قراراتها الظالمة ضد النصف المضطهد من أكذوبة مظاهر عدالة الديموقراطية، وتعطى الغطاء الشرعي للتسمية من دون السماح بالدخول في تفاصيل المنطق والمفروض وما هو الحق والباطل والعدل والظلم، وما يجب وما لا يجب أن يكون، ومن هنا بدأ ترسيخ المفاهيم والمعايير المزدوجة والكيل بمكيالين. والآن أيها الغرب الأوروبي والأميركي الديموقراطي المتحضر، بعد أن قام وكيلكم الحصري للإرهاب، المتوج بشهاداتكم الديموقراطية المزيفة، بضرب أسطول «الحرية»، الوجه الآخر «للديموقراطية»، والاستيلاء على السفينة الأيرلندية وهما تحملان مساعدات إنسانية، ومجموعة أبطال شرفاء، يمثلون طوائف الكتب المقدسة، لنجدة إخوان لهم ضُرب عليهم أبشع حصار من القريب والبعيد لم يشهد له التاريخ مثيلاً، نوجه لكم يا قادة الديموقراطية سؤالاً: ماذا أنتم فاعلون وأنتم تشاهدون القتلى والجرحى؟ ماذا أنتم فاعلون وأنتم ترون الدفن البحري، الذي أرجو أن يكون الأخير لأكذوبة خلية الديموقراطية المنشطرة؟! الإجابة لا شيء، فهي واضحة في مواقفكم المفككة، لينة العتب وخاملة الإجراء، لم تحرك فيكم؛ الدماء التي خضبت المياه الدولية، ولا جثث الأبرياء حتى من أبناء جلدتكم، مبادئ القانون والعدل الذي تجترونه وتفاخرون به ليل نهار، ولم ولن نستغرب أبداً ظلمكم الجائر الذي ينفذه وكيلكم الحصري بحق شعب غزة الموصوم بجريمة ديموقراطية حق الانتخاب، ومقاومةٍ لتقرير المصير، «إرهاب وكيلكم لم يترك لي فرصة لأحبكم». أما الشعوب العربية؛ فإني أراهم بفوضوية يُحركون التاريخ ويُعلقون على أبواب «مدن» أعلاماً وصور أبطال في رحلة بحث عن منقذ بصفات القائد صلاح الدين الأيوبي، حتى لو وصل بهم الأمر إلى نصب المشانق لروابط اللغة والدم حفاظاً على المصير، فهل من موقظ وبطل عربي يقود هذه الأمة قبل فوات الأوان، وقبل أن يُصبح مصيرها مثل مصير القبائل الأميركية التي دفنها التاريخ في طياته؟! [email protected]