وكأن طابع النضال السلمي، ومنه مواجهة عنف السلطة ب «صدور عارية»، الذي وسم احتجاجات ساحات الثورة والتغيير خلال 2011 كان مجرد حلم عابر، ما لبث أن تبخر ليستيقظ اليمنيون على وضع كارثي تمثل بحرب أهلية هي الأسوأ منذ حرب صيف 1994. ولئن بدا تحول الربيع اليمني إلى حرب طاحنة نتاجاً منطقياً لطبيعة التطور الاجتماعي والثقافي لهذا البلد وتعقيداته، بيد أن هذا التحول ربما آتى ثماره. فعلى رغم الوضع الكارثي للحرب الأهلية التي تشهدها البلاد على خلفية انقلاب مسلح نفذته منذ ايلول (سبتمبر)2014 القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وميليشيا الحوثيين (حركة أنصارالله) المدعومة من إيران، غير أن حصيلتها تبدو وقد ارتدت على الانقلابيين أنفسهم وفتحت أفقاً على المستقبل ما كان ليفتح في حال استمرار الوضع السياسي المشوه على ما كان عليه. وصحيح أن صالح الذي حكم اليمن لأكثر من 30 عاماً لم يكن مجرد نسخة من نظيريه العربيين صدام حسين ومعمر القذافي بل ومتمثلاً لتراثه المحلي القبائلي، إلا أن اتكاله على تراثه المحلي القبلي وهو مزيج من انتماء حربي ومذهبي، شكل القشة التي قصمت ظهر الانقلاب وأحبطت محاولة إعادة اليمن إلى حكم العائلات. ولعل الأهم أن الحرب المستمرة منذ ما يزيد عن عام قطعت شريان الاستبداد الممتد على مدى قرون. هكذا يبدو صالح عالقاً مع حلفائه في شرك انقلاب أوقع بهما اكثر ما أوقع بدعاة التغيير. ومعلوم أن الأوضاع في اليمن ما زالت تغلي بمختلف الاحتمالات بما فيها التوصل إلى اتفاق سلام دائم، لكن من الواضح أيضاً أن سعي الانقلابيين لتحويل اليمن إلى منصة ايرانية من خلال وضع احمد علي عبدالله صالح (نجل الرئيس السابق) رئيساً للجمهورية عبر انتخابات صورية أرادوا إجراءها في آذار (مارس) 2015، باء بالفشل. صار واضحاً أن انقلاب صالح والحوثيين، الذي لم يحصل على اعتراف دولي، صب من دون قصد في مصلحة شبان الثورة ومهد الطريق أمام بناء يمن جديد ينهض على الديموقراطية والمواطنة المتساوية. ويرى محللون ومراقبون أن نتائج مؤتمر الحوار الوطني ومنها بناء دولة اتحادية ديموقراطية ما كانت لتتجسد على أرض الواقع في ظل «الدولة العائلية ذات الرأسين» التي ورثها الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي والموسومة بانقسام مؤسسة الجيش والأمن والمخابرات على اساس غير وطني تجلى بولاء الحرس الجمهوري (سابقاً) لعائلة صالح، وموالاة الفرقة الاولى المدرعة (سابقاً) لحزب تجمع الإصلاح الإسلامي (الإخوان المسلمون). ويرى مؤيدو الإصلاح أن انضمام قائد الفرقة المدرعة حينها الجنرال علي محسن الأحمر إلى ثورة الشباب في 2011، أظهر انقسام الجيش اليمني لكنه حال دون إقدام الديكتاتور صالح على إجهاض الثورة في مهدها. ويستدل أصحاب هذا الرأي بانقلاب 21 ايلول (سبتمبر) 2014 وتصريحات صالح ربيع العام الماضي التي هدد فيها الرئيس هادي بمصير القادة الجنوبيين في حرب 1994. هكذا تبدو الساحة بعد مرور أكثر من عام على انطلاق المقاومة الشعبية المسلحة وقد مهدت نسبياً لاستعادة أهداف ثورة الشباب، خصوصاً بعد ضرب طيران التحالف العربي جزءاً كبيراً من ترسانة السلاح الذي استولت عليه ميليشيا صالح والحوثيين. ولا تستبعد مصادر سياسية متنوعة تحدثت إلى «الحياة»، التضحية بعائلتي صالح والحوثيين في أي اتفاق سلام، مشيرة إلى وضع وطني جديد تجسده المقاومة الشعبية المعارضة لانقلاب الحوثيين وصالح. ووفق هذه المصادر، فإن ما حصل منذ إسقاط عمران منتصف 2014 ومحاصرة صنعاء واجتياحها ثم وضع رئيسي الجمهورية والحكومة رهن الإقامة الجبرية ومطاردتهما إلى عدن وشن الحرب على تعز والجنوب جعل من مطلب بناء جيش وطني غير جهوي ومذهبي ضرورة وطنية قصوى. وعلى رغم تباين مصالح اللاعبين الاقليميين والدوليين، يبقى المؤكد أن لا دول الخليج ولا الولاياتالمتحدة ترغب في تحويل اليمن إلى رأس حربة ايرانية أو نسخة من ليبيا والصومال، كما أن إعادة إنتاج دولة العائلات غير المحكومة بقانون لا يخدم التوجه الدولي الرامي إلى نشر الديموقراطية ومكافحة الإرهاب. وإن صح سيناريو التضحية برموز الانقلاب بخاصة اولئك الذين شملتهم عقوبات مجلس الامن، تبدو خسارة صالح اكثر بكثير من خسارة الحوثيين، فالرجل الذي حلم بالعودة إلى الحكم من خلال ترشيح نجله يبدو وقد خسر الحاضر والمستقبل وأضاع فرصة الحصانة من المحاكمة، فيما يتوقع أن تتوارى جماعة الحوثيين الموصوفة بالذراع العسكرية لما يسمى «الهاشمية السياسية» لتذوب مجدداً في تنظيمات سياسية وعسكرية رسمية.