إذا كانت السياسة تلعب دوراً في التفرقة بين المجتمعات والشعوب فإن الفنون والثقافة والآداب تسعى جاهدة إلى لمّ الشمل وإيجاد مساحة واسعة من التسامح والانسجام والإبداع، وهذا هو ما يطمح الى الوصول إليه معرض «ربيعيات 2010» التشكيلي، الذي نظمته «رؤية للفنون التشكيلية» في الصالة العالمية للفنون الجميلة في جدة والمقام هذه الأيام، ويضم أكثر من 30 فناناً وفنانة من مختلف أنحاء الوطن العربي. وأوضحت المشرفة على المعرض لميس بيشاوري أن المعرض يجمع تجارب فنية منوعة من لبنان والسودان والكويت والعراق والسعودية وسورية والبحرين والمغرب ومصر والصومال واليمن، وتحضر فيه مختلف المدارس الفنية، «وقد حاولنا تقريب المسافات بين الأشقاء العرب وإيجاد مساحة من التلاقح الفني والمعرفي ولمّ الشمل، ولو آنياً، وليكون الفن من أجل الفن فقط وقد قدم كل فنان آخر ما توصل اليه في نتاجه الشخصي». ويجد المتأمل في الاعمال المعروضة محاكاة المخيلة واستنطاق الواقع، مع توظيف متقن للأفكار بعيداً من الرمزية المزيفة، كما هي عند عبدالعظيم الضامن وزمان جاسم وعادل الخلف وآخرين. واخذ الاشتغال على التجريد جلَّ الأعمال المعروضة، وان بدا البعض منها خجولاً ومتخفّياً خلف الامتزاج اللوني، إلا أن عدداً غير قليل من المشاركين اظهر براعته في التعاطي مع هذا الفن البديع، وتقديم مفارقات فنية واشتغال بصري لافت، ربما وجد فيه الحضور الكبير من الرجال والنساء مدخلاً لقراءة الأعمال من زوايا مختلفة وتكون العين مسؤولة عن استقبال التجربة واختزالها. وجاء استثمار مواضيع الهم الإنساني والشخصي بشكل بارز، وتفوقت الحالة الوجدانية على الفكرة ما جعل خبطات الفرشاة تخذل الألواح في بعض الأعمال خصوصاً الواقعية منها. وكان حضور الفن المفاهيمي في المعرض على استحياء إذ ان محاولة تجريبه لا تزال في حاجة إلى المزيد من الجرأة والدُربة الحيَّة والتوظيف الأمثل للمستخلصات البيئية والطبيعية، التي لا يرغب المقتنون عادة في وجودها في إطار اللوحة، وربما هذا ما يحذر بعض التشكيليين من الوقوع فيه، كي لا يتخلى عنه الزبائن وتبقى أعماله حائرة في مرسمه الخاص، من دون النظر إلى مسؤولية الفن ومواكبة الحركة الفنية العالمية وتقديمه كجزء من ثقافة وفنون الإنسان أولاً.