أثار قرار تنحية رئيس هيئة نزاعات المُلكية في العراق أحمد البراك بعد نحو 7 سنوات على رئاسته الهيئة، جدلاً حول قضية بيع أملاك الدولة ودورها في المنطقة الخضراء الى مسؤولين سياسيين، فيما تمتنع الحكومة منذ سنوات عن تسليم عقارات تعود الى الاهالي داخل هذه المنطقة الى اصحابها الشرعيين. البراك في حوار أجرته معه «الحياة» تحدث عن اقالته معتبراً انها جاءت بعد رفضه تمليك مسؤولين حزبيين وسياسيين أملاك الدولة في المنطقة الخضراء، وسأل: «كيف يمكن الدولة ان تغتصب املاك مواطنيها؟». وهنا نص الحوار: ما أسباب اقالتكم من رئاسة الهيئة؟ - الهيئة كيان حكومي يعمل ضمن منظومة حكومية، وهي دائرة مرتبطة بمجلس النواب، وعلى الحكومة العراقية الحفاظ على موظفي الهيئة والمكاتب التابعة لها، إضافة الى حماية الكمّ الهائل من المعلومات الذي تمتلكه، من وثائق ومستندات ودعاوى. لا اعلم الدافع الشخصي والسياسي وراء إقالتي، واذا كنت شاركت في الانتخابات ضمن ائتلاف «وحدة العراق»، وهو كيان منافس لبقية الكتل السياسية ومنها «العراقية» و «الوطني العراقي» وغيرها كما هو منافس ل «ائتلاف دولة القانون»، فهذه خصومة انتخابية وليست شخصية. كنت عضواً في مجلس الحكم عام 2003 ولم أهاجم أي شخصية سياسية او مكوّن، وأنا ليبرالي احترم آراء الجميع، ولكن يبدو ان هناك دافعاً لدى الطرف الآخر، بالتالي يجب ان يُسأل عن دوافعه. كيف تعاملت مع قضية الاقالة؟ - بواقع حسن النية وبطريقة ادارية، فما فعلته الامانة العامة لمجلس الوزراء مخالف لنص المادة 136 من الدستور، التي ربطت الهيئة بمجلس النواب. وهنالك ايضاً المادة 61 من الفقرة «ه»، وهاتان المادتان تتحدثان في شكل قاطع عن ان الهيئة تابعة لمجلس النواب، وعن رئيس الهيئة باعتباره معيناً من المجلس ويمكن ان يخضع للاستجواب إسوة بالوزراء، كما أن إعفاءه من منصبه يتم بالغالبية المطلقة. تقصد ان هناك خرقاً للقانون عبر اقالتكم على يد الحكومة وليس البرلمان؟ - نعم، مجلس الوزراء ليس الجهة صاحبة الشأن في الاقالة. بعدما وصلني كتاب معنون من رئاسة الوزراء في 30/5/2010 يطلب تسليم ما بذمتي وإعلان موعد تركي المنصب وترشيح السيد علاء الساعدي بديلاً، وهو قاضٍ يعمل في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، قدمت طعناً وتظلماً الى رئيس الوزراء وشرحت كل الفقرات الدستورية الخاصة بالقضية. لم يُرَد على طعوني وفق الطرق القانونية، بل فوجئت بقوات عسكرية مكوّنة من ثمانين رجلاً وآليات عسكرية كبيرة تقتحم المبنى وتعبث بالموجودات وتحطم الكاميرات الخاصة بالرقابة الأمنية، وأتلِف التسجيل المصوّر لذلك اليوم، وتحطم «السرفر» الذي يحفظ التسجيلات عن اي حادث يحصل في المقر. علاء الساعدي لم يحضر سابقاً، بل حضر وجلس معي الثلثاء الماضي، وأبلغني أنه يحمل أمراً صادراً من رئيس الوزراء يقضي بأن يتسلم هو رئاسة الهيئة، فأجبته بأن لدينا اجراءات ادارية وقانونية بخصوص هذا الإجراء، فضلاً عن انه لم يردنا بعد هذا الأمر بالبريد الرسمي. ولم أصرح الى الإعلام حول الموضوع وبقيت انتظر الرد الرسمي من امانة مجلس الوزراء، ظناً بأن القانون محترم في العراق. يتردد أنك متهم بمخالفات ادارية ومالية أحيلت على المحاكم المختصة؟ - نعم هناك مخالفات ولكن ليس بمعنى الاختلاسات والسرقات. انا لست محصّناً وتحدث السيد رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة الى الإعلام، وذهبت الى المحكمة المختصة وأدليت بأقوالي أمام قاضي التحقيق، وأنا بانتظار ما ستؤول اليه القضية. تقصد ان هناك قضية شخصية ضدك؟ - نعم، تكلمت مع الوزراء وأبلغوني انهم لم يشاهدوا الديباجة الاصلية لقرار الاقالة، وأنهم صوّتوا بناء على توصية من رئيس الوزراء، وهذا يدل على ان هناك من دبّر الأمر في الخفاء. ألا تعتقد بأن قرارك نقل المفتش العام للهيئة وراء القضية؟ - رئيس الحكومة نوري المالكي هو من نقل المفتش العام وليس أنا، وذكر رئيس الوزراء ان المفتش العام يجب ان يحال على التحقيق ويسجن بسبب مخالفات كثيرة. اتهمتَ مستشار المالكي بهذه القضية، وقلت ان مشادة حصلت بينك وبينه... - نعم حصلت مشادة مع المستشار القانوني لرئيس الوزراء فاضل محمد جواد، فله خصومة معنا في هيئة حل النزاعات كونه كان يعمل مستشاراً لحسين كامل ايام النظام السابق، وخصِصت قطعة ارض له وسحِبت وأُعطيت الى موظف آخر في التصنيع العسكري المنحل آنذاك، وأقام دعوى في الهيئة تحمل الرقم 493549، ومارس عملية ابتزاز كبيرة لنا منذ العام 2007 وأبلغناه ان كلامه غير قانوني وغير صحيح. ذكرتُ هذا في اجتماع لمجلس الوزراء وكان حديثي مسجلاً بالصوت والصورة، وأبلغت رئيس الوزراء ان هناك ابتزازاً من مستشاركم، فشهادته بالموضوع تعتبر مجروحة قانوناً. وهو شخص مخالف للقانون لأنه زوَّر في لقبه اضافة الى انه تجاوز السن القانونية (68 عاماً). أضف الى ذلك ان رئيس الوزراء عيّنه بدرجة سفير، وكل هذه المخالفات يحصل في غياب البرلمان وفي ظل الفراغ السياسي الكبير الذي نعيشه الآن. «دولة غابة» كيف تفسر كل هذه الامور؟ - نحن في دولة الغابة لا في دولة مؤسسات تحترم القوانين. كيف لرئيس الوزراء ان يفكر في ولاية ثانية وكل هذه الاعمال تحصل مع مسؤولين في الحكومة وبفرض القوة العسكرية على الجميع؟ اذا كان رئيس الوزراء يخرق القوانين بهذه الطريقة، فكيف سيقنع القادة السياسيين بقدرته على بناء بلد يحترم القانون؟ هل صحيح ان مجلس النواب المنتهية ولايته لم يصادق على قرار تعيينكم؟ - نعم، فنحن ضمن هيئات كثيرة لم يحظ تعيين رؤسائها بمصادقة، مثل هيئة النزاهة والسجناء السياسيين، وهيئة الاستثمار. أثيرت أخيراً قضية بيع أملاك الدولة داخل المنطقة الخضراء، وأبلغت وسائل إعلامية ان تلك القضية كانت سبباً لأقالتك. - هيئة حل نزاعات المُلكية كان لها موقف مشرف في شأن عقارات الاهالي الذين يمتلكون دوراً داخل حدود المنطقة الخضراء. فنحن كهيئة ادارية وقانونية لدينا صلاحية تطاول كل اراضي العراق بما فيها اقليم كردستان، فوجئنا مطلع العام 2008 بقرار للأمانة العامة لمجلس الوزراء بعدم تنفيذ قراراتنا الصادرة في حق عقارات المنطقة الخضراء والتي أعيدَ جزء منها الى اصحابها الشرعيين، وفق قرارات قضائية اكتسبت الدرجة القطعية. ما هي هذه القرارات؟ - قرارات صادرة من المحاكم العراقية، تخص العقارات التي استولى عليها النظام السابق وأعادتها الى اصحابها، وهذا إجراء قضائي لا غبار عليه، بعيد عن القومية والطائفية. هو قرار بإعادة حقوق مغتصبة الى اصحابها، ولكن عندما كانت غالبية هذه العقارات مشغولة من مسؤولين في الحكومة العراقية وأعضاء مجلس النواب، تصدوا لهذه القرارات. وقالوا لرئيس الوزراء ان هيئة نزاعات المُلكية تبذّر وتعطي عقارات لأشخاص كاذبين ومدّعين ومزورين، وكثيرة هي الأقاويل ضدهم. فقلنا ان هذا الكلام غير سليم وأوضحت الأمر في اكثر من مناسبة. كيف تعيدون العقارات، ووفق أية آلية؟ - نعيدها الى أصحابها بموجب قرارات محاكم مدنية وجزائية عراقية، ونفض النزاع حولها بعد اكتسابها الدرجة القطعية من محاكم التمييز، ولا نصدر قرارات في صورة شخصية. قلت اذا كانت لديكم رغبة في استملاك هذه العقارات فبادروا وفق القانون، مع الأخذ في الاعتبار قيمة كل عقار ومساحته وموقعه المهم. اذاً، تعتبر هذه بداية الخصومة مع مجلس الوزراء؟ - نعم، من هنا بدأت الخصومة مع الهيئة. جاءني عشرات من اصحاب العقارات داخل المنطقة الخضراء يشكون رفض الحكومة اخلاءها، وأخبرتهم ان هذا هو قرار الحكومة، ووقفت ضد هذا القرار. قسم من هؤلاء أقام دعاوى في المحكمة الاتحادية. ضد مَن؟ - ضد الأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس الوزراء، وحصلت مشاكل بين موظفينا والمبلغين بقرار المحكمة، وكان المسؤولون والموظفون المقربون من رئيس الوزراء يبلغون افراد حماياتهم بطردهم وضربهم. أبلغت المالكي الأمر فأجاب: أين يذهب المسؤولون؟ أخبرته ان الوزير يأخذ ثلاثة آلاف دولار مخصصات سكن، وهو قادر على استئجار أي سكن في أي منطقة قريبة من المنطقة الخضراء، وأن يسكن المسؤول مجاناً في عقار داخل المنطقة الخضراء وأصحاب هذا العقار يسكنون في الشارع، فذاك غير مقبول. بعض المسؤولين بدأ يتصرف بتلك العقارات كأنها ملك شخصي له، من خلال تأجير تلك الدور للشركات الأجنبية وبمبالغ تتراوح بين خمسة وعشرة آلاف دولار شهرياً. وهل تسكن ايضاً في تلك الأملاك؟ - كلا، فمجمع الوزراء الذي أقيم فيه هو ملك للدولة، ولديوان الرئاسة تحديداً، وهو مسكن حكومي لا تنازع عليه، وبإمكاني ان آخذ عقارين داخل المنطقة الخضراء، لكنني اعلم انها عقارات مغتصبة. هذا هو اصل الخلاف مع مجلس الوزراء. لكن الحكومة تملِّك المسؤولين عقارات داخل المنطقة الخضراء... - فقط الشقق السكنية تم تمليكها، اما بالنسبة الى الدور فقد تمكنا من اقناع رئيس الوزراء بوقف الأمر. على أي حكومة مقبلة ان تراعي مصالح الناس في هذه المنطقة وألا تبيع عقارت الدولة بأسعار بخسة. فهذه املاك مغتصبة، ويجب ألا تباع لأناس فقط لكونهم مسؤولين يعملون داخل المنطقة الخضراء. مَن وقف الى جانبكم في قضية رفض بيع العقارات هناك؟ - نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي تصدى لقرار البيع الأول. هل تقصد ان بيع املاك المنطقة الخضراء إجراء غير قانوني؟ - نعم. كنا ننظر الى مسمى ظهر بعد سقوط النظام مع الذين استولوا على املاكٍ عائدة للدولة، وأطلق عليهم «الحواسم». معيب ان تستولي الحكومة على املاك مواطنيها. عائلات فقيرة تسكن عقارات وفي املاك تعود لوزارة الدفاع، تأمرها الحكومة بالاخلاء بعد ثلاثة اشهر، فيما مؤسسات كبيرة رسمية وحتى اشخاص متنفذون يتجاوزون الحق العام من دون حساب. هذه مفارقة عجيبة. 161 ألف دعوى ما عدد القضايا المنجزة في هيئة دعوى المُلكية؟ - لدينا بحدود 161 ألف دعوى في كل مدن العراق، حُسِمت منها 81 ألف دعوى، أي نصف مجموع الدعاوى، والهيئة الآن متوقفة بسبب قانون عمل جديد صدر من خلال استحداث ثلاث هيئات تمييزية جديدة لتسريع العمل وإنجاز الدعاوى الكثيرة الموجودة لدينا. وهناك قانون جديد سيناقش مع مجلس شورى الدولة، اضافة الى تعيين قضاة جدد للعمل مع الهيئة. وماذا عن قضية املاك الكويتيين والتعويضات؟ - هناك املاك لأشخاص وليس لحكومة الكويت. طلبنا من الحكومة وبالتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية أن توضح الأممالمتحدة الأمر كي نعرف هل تلقوا تعويضات من الأممالمتحدة ومن لجنة التعويضات أم لا. وطلبنا من خلال الوزارة توضيح هل العقارات التي طاولها التعويض شملت العقارات المصادرة من النظام السابق ام لا، فإن كانت الاجابة نعم، فلا تعويض للمشتكي، ويعاد العقار الى وزارة المال باعتباره مالاً عاماً، وإن كانت الاجابة لا نتولى تسوية المسألة. هل ردت الأممالمتحدة بهذا الخصوص؟ - نعم بكتابين، ولم يكن الرد شافياً، لذلك بقيت القضية معلقة. فنحن نريد اسماء مَن تلقوا تعويضات من الذين قدموا شكاوى تفيد بأن لهم أملاكاً داخل العراق. هل جرت اتصالات بينكم وبين الكويت؟ - نعم اتصل بي السفير الكويتي وأبلغته أنه لا يجوز قانوناً الأخذ برأيكم فأنتم خصم، ويجب ان يكون هناك طرف محايد هو الأممالمتحدة كي تحل هذه القضايا. أهناك املاك لعائلات يهودية في العراق؟ - لم نتلقَ اي شكوى حول عقار لعائلة يهودية باستثناء امرأتين قدمتا طلباً، وبعد التحري ثبت انهما زوّرتا بادعاء كونهما مسيحييتين خوفاً على حياتهما. ولم تراجعا بعدها وعلمنا انهما هربتا، علماً ان القضية كانت في بداياتها، وفي محافظة كركوك.