علمت «الحياة» أن تغيراً يلوح في الأفق في طريقة تعاطي السلطات المصرية مع جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفائها. فبالتزامن مع إطلاق قيادات في «الجماعة الإسلامية» وحزب «العمل» الإسلامي (المجمد)، بدأت أجهزة الأمن في تقسيم الإسلاميين داخل السجون، ففصلت المتشددين المنخرطين في تنظيمات مسلحة: «أنصار بيت المقدس» و»أجناد مصر»، المتورطين في عمليات عنف، وأبعدت قيادات الإخوان عن كوادرها الصغرى التي يجري الحديث معهم عن مراجعات. ويبدو أن الخطوة جاءت لترسيخ الانشقاقات التي تعاني منها الجماعة منذ فترة، وتعميق عزلة التيار «القطبي» الذي يقوده القائم بأعمال المرشد محمود عزت الفار خارج البلاد، لكن مصادر أمنية مطلعة على الملف تحدثت ل»الحياة» استبعدت في شدة «عقد مصالحة مع جماعة الإخوان»، وهو الحديث الذي راج بشدة خلال الأيام الأخيرة وتبناه أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية سعد الدين إبراهيم الذي كشف عن لقائه قيادات الإخوان في تركيا وتحدث معهم عن المصالحة. وتعاني جماعة الإخوان من انقسامات عنيفة خلال الأشهر الأخيرة بين جناحين يتنازعان على السلطة، الأول يقوده عزت فيما الثاني يقوده عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، وخرج طرفا النزاع على الملأ يتبادلان الاتهامات، ويعلن كل منهما مسؤوليته عن قيادة الإخوان، في مشهد نادراً ما كان يحدث لدى التنظيم. وأصدر الجناح المحسوب على عزت أول من أمس بياناً أعلن فيه تعديل اللائحة الداخلية، وإعادة تشكيل اللجان داخل الجماعة، وأشار إلى إجراء تحقيقات مع أعضاء في مجلس شورى الجماعة. وحرص البيان على «التزام نهج المرشد محمد بديع في النضال السلمي للتغيير وتطبيق الشورى التي هي ملزمة واستكمال الهيئات الشورية والإدارية وهي موقتة وليست استبدالية لعرض الأمور عليها». وأوضح أن اللائحة الجديدة تتضمن أربع لجان لأداء المهمة في تلك المرحلة وهي: اللجنة الإدارية المنتخبة برئاسة محمد المرسي، التي تعمل تحت إشراف القائم بعمل المرشد العام (محمود عزت)، ومهمتها تسيير الأعمال وإدارة شؤون الجماعة إلى أن تنتهي عملية استكمال المجالس الشورية وانتخاب مكتب إرشاد موقت». وأعلنت عن تشكيل لجنة أخرى للانتخابات «وهي مشكلة للإشراف على استكمال المؤسسات الشورية وانتخابات المستويات الإدارية واقتراح الضوابط والإجراءات ورفع ذلك للقائم بعمل المرشد لاعتماده»، بالإضافة إلى لجنة ثالثة تحت مسمى «لجنة الرؤية»، وأخيراً لجنة التحقيق بالداخل والخارج و»تختص بالتحقيق مع أعضاء الشورى العام وفق الإجراءات التي تنص عليها اللائحة». وكانت السلطات المصرية مضت في طريق تخفيف الضغط على حلفاء الإخوان، فأطلقت خلال الأيام الماضية رموزاً في الجماعة الإسلامية كان آخرها رئيس حزبها «البناء والتنمية» صفوت عبد الغني، وأمين عام الحزب علاء أبو النصر، بعد أيام من إطلاق زعيم في حزب «العمل» الإسلامي مجدي حسين. وكانت الجماعة الإسلامية وحزب العمل ضمن تحالف «دعم الشرعية» الذي أطلقته الإخوان قبل أيام من عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وبالتزامن مع ذلك جرت عملية تصنيف للإسلاميين داخل السجون، حيث عززت السلطات من إبعاد المتشددين منهم المنخرطين في تنظيمات مسلحة جرى توقيفهم خلال الفترة الأخيرة لا سيما أعضاء جماعتي «أنصار بيت المقدس» و»أجناد مصر» المحسوبين على تنظيم «داعش»، فيما جرى فصل القيادات العليا لجماعة الإخوان عن كوادرها وقياداتها الوسطى والتي جرى تصنيفهم من حيث الخطورة والقرب من الجناح القطبي المتشدد. وأفيد أن عمليات «استتابة تجرى في الأروقة لعدد من كوادر الإخوان لا سيما من أظهر اعتراضاً على النهج الذي اتخذته الجماعة في الآونة الأخيرة ورفضاً للعنف»، وكشفت مصادر مطلعة على الملف ل»الحياة» أنه سيتم عقد ندوات دينية وتثقيفية لهؤلاء في مسعى لإطلاقهم بعد مراجعات عن العنف، لكن المصادر استبعدت بشدة «عقد مصالحات مع جماعة الإخوان في العموم»، وأشارت إلى أن التعامل يجرى مع «أفراد الإخوان وليس الجماعة، فمن يظهر توبة والنأي عن العنف يمكن إطلاقه على أن يتم وضعه تحت إجراءات احترازية». وأشار المصدر إلى أن الهدف من تلك الإجراءات «إبعاد هؤلاء عن الجماعة، وانتشالهم من دائرة العنف»، لكن المصدر أكد أن تلك الإجراءات «تحتاج إلى فترة للتأكد من نيات هؤلاء». من جانبه توقع الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي «حصول مراجعات بين صفوف الإخوان وحلفائهم خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أن السياسة التي ينتهجها الأمن في الفترة الأخيرة «هي سياسة قديمة حديثة، تعتمد على تقسيم السجناء، بعدما مكثوا فترة مع بعض وحصلت منازعات في ما بينهم، وهو ما يظهر معه من في وارد التراجع عن العنف ومن منهم مصر على المضي في هذا الطريق، بحيث يتم تقسيم السجناء إلى جماعات، قبل أن يتم تصنيف المنخرطين في هذه الجماعات على حسب التشدد»، ورأى أن هذه السياسة «هدفها تفكيك تنظيم الإخوان وترسيخ الانقسامات بداخله، وهو مؤشر إلى أن هناك اتجاهاً قريباً بإصدار مراجعات». ويرى فرغلي أن هناك اتجاهاً عاماً لدى الدولة والإخوان «للتهدئة خلال الفترة المقبلة، حيث أيقنت جماعة الإخوان أنه لا حل إلا في المصالحة مع الدولة، لذلك جرت تغييرات داخلية كبيرة، وهناك تحول استراتيجي داخل الجماعة»، متوقعاً أن تعلق الإخوان على «مبادرة للمصالحة تتضمن توقف الجماعة عن العمل السياسي والدعوى لمدة 7 أعوام، والابتعاد عن العمل العام، وهيكلة الجماعة، وتصعيد مكاتب إدارية جديدة»، في مقابل تخفيف الضغط عن قيادتها وكوادرها داخل السجون. لكن وكيل جهاز أمن الدولة السابق خالد عكاشة ألقى بكرة المراجعات في ملعب «الإخوان»، موضحاً أن «المطلوب من القيادات الأمنية العمل على حصول مراجعات من قبل من انخرطوا في العنف، لكن الأمر الحاسم هو مدى استجابة الإخوان لهذا الاتجاه، وعليهم الإعلان صراحة من طرفهم عن مبادرات للمراجعة».