أظهر ارتفاع حدة الأزمة داخل جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، احتدام الصراع بين «إخوان» الداخل والخارج، على قيادة التنظيم الذي يشهد أعنف محنة في تاريخه، ما أثار تساؤلات عن إمكان حصول انقسامات في البنيان التنظيمي للجماعة التي فقدت قدرتها على الحشد في الشارع بفعل الضربات الأمنية. وانتقل الصراع إلى العلن بين زعامات «الإخوان» في الخارج بقيادة القائم بأعمال مرشد الجماعة محمود عزت، وجبهة الداخل بزعامة عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، على خلفية استمرار الأمين العام للجماعة محمود حسين الذي فر قبل أيام من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، في موقعه، وتعيين «إخوان» الداخل محمد منتصر ناطقاً باسم الجماعة. وتحدثت تقارير أن قطاعات من شباب «الإخوان» ترفض العمل تحت لواء الرجل القوي في «الإخوان» محمود عزت الذي لم يظهر في العلن منذ نحو ثلاثة أعوام، ولا يُعرَف مكانه. وعلى رغم إعلان مكتب شؤون «الإخوان» في الخارج، ومقره لندن، ويتزعمه القائم بأعمال نائب مرشد الجماعة إبراهيم منير إقالة محمد منتصر، وتعيين طلعت فهمي خلفاً له، أعلنت اللجنة الإدارية العليا للجماعة في مصر أن منتصر المقيم في الداخل لا يزال ناطقاً باسمها. وأكدت أن «إدارة الجماعة تتم من الداخل وليس من الخارج». وكانت تقارير داخل «الإخوان» تحدثت عن إطاحة عضو مكتب الإرشاد محمود حسين من موقع الأمين العام للجماعة، ما استدعى خروج الرجل للمرة الأولى منذ عزل مرسي مؤكداً في مقابلة من تركيا أنه «انتُخب عضواً في مكتب الإرشاد في العام 2010، قبل أن يتم التوافق بين أعضاء المكتب على أن يتولى الأمانة العامة، وهذا الوضع لم يتغير إلى الآن وظل كما هو، ليس بالنسبة إليّ فقط، وإنما لكل أعضاء هيئة المكتب. وهذا تكليف وليس تشريفاً». واعتبر أنه «لا بد من حصول إجراءات عدة حتى تنتفي الصفة، بأن تتم انتخابات مكتب إرشاد جديد، وهذا لم يحدث. أما الأمين العام فهو ليس منتخباً وإنما يكون عضواً في مكتب الإرشاد يتوافق الأعضاء على اختياره، وبالتالي ليس هناك مكتب إرشاد جديد ولا انتخاب لمجلس شورى جديد، وبالتالي لا تنتفي الصفة، ليس بالنسبة إليّ فقط، وإنما لكل أعضاء مكتب الإرشاد». وأشار إلى أن اللجنة الإدارية التي شكلت من أعضاء «الإخوان» في الداخل في شباط (فبراير) 2014 «معنية بإدارة العمل داخل مصر ولا تقوم باختصاصات مكتب الإرشاد، ولا تستطيع أن تنفي الصفة عن كل أعضاء مكتب الإرشاد... اللجنة تسيّر الأعمال لكنها لا تصدر قرارات تنفي قرارات مجلس الشوري الذي ينتخب مكتب الإرشاد، ولا تستطيع تلك اللجنة أن تتخطى هذه القرارات». وأكد أن نائب المرشد محمود عزت «هو القائم بأعمال المرشد العام للإخوان»، لكنه رفض كشف مكانه. وأكد أن عزت «الذي لا يدير وحده شؤون الجماعة، على تواصل دائم مع قادتها ومن بينهم إبراهيم منير الذي عيّنه قائماً بأعمال نائب المرشد». وسعى حسين إلى التقليل من دور «إخوان» الداخل، كما قلل من منتصر مؤكداً أنه «مجرد ناقل لبيانات الجماعة وليس متحدثاً باسمها يعبر عن مواقفها». لكن الجماعة نشرت أمس على صفحتها الرسمية على موقع «فايسبوك» بياناً أكدت فيه أنها «لم تصدر أي قرارات في شأن الناطق باسمها» الذي «لا يزال في منصبه». وأوضحت أن «القرارات الإدارية كافة التي تخص إدارة الجماعة تصدر من اللجنة العليا في الداخل ولا يجوز لأي مؤسسة في الجماعة أو شخصيات اعتبارية التحدث باسم اللجنة أو إصدار قرارات هي من صلاحيات لجنة الإدارة». وأصدر المكتب الإداري لجماعة «الإخوان» في الإسكندرية بياناً آخر رفض فيه ضمناً إقالة منتصر، قائلاً إن «قواعد الشورى والمؤسسية هي الأطر الحاكمة للتنظيم وهي أساس بنية الجماعة ولا يجوز لأي شخص أو قيادة مهما كان موقعها تغييرها». وأشار إلى أن «المكتب الإداري وتشكيلات الجماعة في الإسكندرية كافة غير ملتزمة إلا بالقرارات الشورية التي تعبر عن الإخوان الصادقين المجاهدين في ميدان الثورة وفقاً للآليات السليمة التي تحددها اللوائح، ولا مجال لأي قرارات فردية، خصوصاً في ظل تحديات هذه المرحلة». وقلل الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي من الصراع داخل الجماعة، ورأى أن ما يحدث «صراع على القيادة». وقال ل «الحياة»: «يمكن أن نطلق على ما يجرى ارتباكاً تنظيمياً أو انقساماً يحدث للمرة الأولى حول استراتيجيات الجماعة، وحول من الأحق بقيادة المرحلة». لكنه استبعد في شدة الانشقاق بين تيارين «لأن الجميع لم يختلف على الفكرة، بل على تطبيقاتها على الأرض فقط». وأيد هذا الطرح النائب السابق لمرشد «الإخوان» محمد حبيب الذي أوضح ل «الحياة» أن «القضية ليست خلافاً على مبدأ، وإنما تصفية حسابات. بعض الناس اكتوى بنار القيادة، وعندما حانت الفرصة ظهرت الخلافات»، لكنه قلل من أثر تلك الخلافات على بنيان الجماعة، مشيراً إلى أن «الضربات الأمنية تعزز وحدة الجماعة وتماسكها والتفافها حول القيادة، وأتصور أنه لا يوجد أي صراع، وإنما هي مواجهة إعلامية». ولفت إلى أن «إخوان الداخل في حاجة إلى التمويل الذي يأتيهم من الخارج، وبالتالي سيظل الخارج متحكماً في صناعة القرار». وأشار إلى أن «قادة الخارج بأيديهم زمام الأمور ولديهم القدرة على التواصل مع عناصر في الداخل، والداخل سينفذ قرارات الخارج لأنه في حاجة إلى المال، لكنه قد يعترض على استحياء». واعتبر أنه «طالما بات محمود عزت قائماً بأعمال المرشد، بصرف النظر عن رضا صفوف الإخوان عن توجهاته، فمن حقه بحسب اللائحة إقالة أشخاص وتعيين آخرين... وعندما نتحدث عن قطاعات شباب الجماعة فهؤلاء تربوا على ثقافة السمع والطاعة، ويدينون للقيادة بكل الولاء، وبالتالي لن تتغير تركيبتهم النفسية والوجدانية في لحظة، خصوصاً أن الجماعة تمر بمحنة شديدة، وبالتالي يزيد الارتباط والتماسك والالتفاف حول القيادة، وأي مسألة تؤجل إلى حين انتهاء المحنة».