أعطى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الضوء الأخضر للبدء في التحضير لخوض الانتخابات البلدية والاختيارية. ورسم في اجتماع موسع رأسه مساء أول من أمس وشارك فيه نواب «اللقاء الديموقراطي» وقادة الحزب خريطة الطريق لخوضه المعركة، وتنطلق من ثلاثة مبادئ: التوافق وإعطاء الحرية للناخبين وتجنب كل أشكال الصدام أو الاشتباك السياسي وحماية المصالحة الدرزية - المسيحية في الجبل التي رعاها البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير عام 2002، إضافة إلى الحفاظ على الخصوصيات التي تتمتع بها القرى الدرزية - المسيحية المختلطة، خصوصاً بالنسبة إلى التزام مبدأ المداورة في رئاسة المجالس البلدية. موقف جنبلاط هذا تزامن مع تزايد الإشاعات حول إمكان تأجيلها خلافاً لإصرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على إتمامها في مواعيدها المحددة لها. ومع أن هذه الإشاعات ما زالت تنتقل من منطقة إلى أخرى، كما تقول مصادر نيابية بارزة ل «الحياة»، فإن جميع المعنيين بإنجازها يتوزعون بين مشكك بإنجازها وآخر يجزم بإتمامها ولو «حياء» لأن ليس في مقدور أي طرف أن يواجه رد الفعل الشعبي على تأجيلها. وبالعودة إلى موقف «التقدمي» من الانتخابات البلدية قالت مصادر في «اللقاء الديموقراطي» ل «الحياة» إن رئيسه لا ينظر إلى الاستحقاق البلدي على أنه محطة للدخول في معركة «كسر عظم» مع القوى السياسية، لا سيما في البلدات الدرزية، وأكدت أنه كان واضحاً في الاجتماع النيابي - الحزبي الموسع بالتعاون مع النائب طلال إرسلان باعتباره من الثوابت الثابتة وأيضاً في التواصل مع الحزب السوري القومي الاجتماعي وأيضاً مع النائب السابق فيصل الداود في البلدات الدرزية في البقاع الغربي وراشيا. ولفتت المصادر نفسها إلى أن تعاونه مع «تيار المستقبل» و «الجماعة الإسلامية» في قرى وبلدات إقليم الخروب من الثوابت. وقالت إن جنبلاط شديد الحرص على مراعاة التوازنات في البلدات المختلطة التي فيها دروز ومسيحيون على قاعدة مراعاة مبدأ المداورة، أي التناوب على الرئاسة ونيابة الرئاسة بين الطرفين، باستثناء بلدة بريح الشوفية التي شهدت مصالحة منذ فترة قريبة حيث أنه يفضل في أول انتخابات بلدية تحصل فيها أن يكون الرئيس من حصة المسيحيين في مقابل إسناد منصب نائبه إلى درزي. واعتبرت أن جنبلاط ليس في حاجة إلى اختبار قوة يمكن أن تكون بمثابة مؤشر إلى توجهات الناخبين في الانتخابات النيابية المقبلة، وقالت انه ليس في جو الدخول في لعبة إلغاء من يتعارض معه في الشأن السياسي، وبالتالي يبدي حرصه على التعاون في البلدات المختلطة لانتخاب مجالس بلدية توافقية في إشارة إلى تحالف حزب «القوات» و «التيار الوطني الحر» الذي يتحضر لخوض هذه الانتخابات على لوائح موحدة في الشوف وعاليه. ورأت أن هناك حاجة - كما يقول جنبلاط - لتجنيب البلدات المختلطة أي صدام سياسي وهذا يتطلب من الجميع التعاون والتحلي بالمسؤولية لأن هناك ضرورة لصون المصالحة في الجبل. كما رأت أن جنبلاط لا يؤيد مصادرة إرادة الناخبين ويدعم ترك الحرية لهم لاختيار المجالس البلدية الأنسب على قاعدة تشجيع الشباب والمرأة على خوض هذه الانتخابات بغية ضخ دم جديد في المجالس يعطي الأولوية للتنمية والاستجابة لاحتياجات المواطنين. ناهيك بأن جنبلاط - بحسب هذه المصادر - يدعم في انفتاحه على ارسلان والحزب القومي مراعاة الخصوصيات العائلية، خصوصاً في البلدات الجردية في عاليه إضافة إلى إصراره على إراحة الأجواء السياسية التي تتيح للناخبين انتخاب مجالسهم بملء إرادتهم. لأن لا نية لديه لإسقاط اللوائح البلدية من فوق عليهم. وبالنسبة إلى البلدات المسيحية الصافية، يفضل جنبلاط أن يترك الأمر للعائلات والقوى السياسية، ولا يرى ضرورة للتدخل المباشر في تركيب بعض اللوائح البلدية، لئلا يذهب البعض إلى استغلال تدخله للتحريض على «التقدمي». مع أن المعايير التي تطبق في الانتخابات النيابية لا يسري مفعولها على البلديات لما للعائلات، حتى من الانتماء السياسي نفسه، من توجهات بلدية قد لا تتفق مع الحزب أو التيار السياسي الذي ينتمي إليه السواد الأعظم من هذه العائلة أو تلك. وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مصادر حزبية مسيحية أن تحالف «القوات» و «التيار الوطني» يميل، حتى إشعار آخر، إلى التركيز في المعركة البلدية على البلدات الكبرى سواء تلك الواقعة في قضاءي الشوف وعاليه أو في الأقضية الأخرى. وعزت هذه المصادر السبب إلى أن الطرفين يتوخيان من الانتخابات البلدية في المدن والبلدات الكبيرة أن تتحول إلى استفتاء على خيارهما السياسي الذي توج أخيراً، وبعد «إعلان النيات» بينهما، بمبادرة رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلى تبني دعم ترشح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. لكن المصادر لا تتعامل بسهولة مع القفز فوق إرادات العائلات الكبرى لأنها تشكل الحزب الأقوى بصرف النظر عن انتماءاتها السياسية باعتبار أنها تقارب خيارها البلدي طبقاً لمصالحها العائلية التي تطغى عليها في غالب الأحيان حسابات النفوذ القروي. وربما بدأ مثل هذا الاعتبار العائلي يظهر بوضوح إلى العلن في البلدات الكبرى وعلى سبيل المثال لا الحصر في بلدتي الدامور والرميلة في ساحل الشوف. ومع أن جنبلاط يترك الحرية للنائب في «اللقاء الديموقراطي» ابن الدامور إيلي عون في ترتيب التوافق إذا أمكن مع «القوات» و «التيار الوطني» في ظل ترجيح التجديد لرئيس المجلس البلدي الحالي شارل غفري لولاية جديدة، فإن محازبي «الجنرال» منقسمون بين مؤيد له وآخر يدعو إلى تشكيل لائحة أخرى ويتزعم هذا الخيار الوزير السابق ماريو عون. ويبدو أن المشهد البلدي الذي يطغى حالياً على الدامور سيتمدد في اتجاه الرميلة حيث قطعت الاتصالات بين «القوات» و «التيار الوطني» شوطاً على طريق إعلان لائحة في مقابل التحضير للائحة منافسة لن يغيب عنها حتماً محازبون ينتمون إلى الطرفين. لذلك، يمكن أن يحضر هذا المشهد إلى بلدة دير القمر الشوفية، على رغم أن هناك من أخذ يتصرف على أن المنافسة محصورة بين لائحة تحالف «القوات» و «التيار الوطني» وأخرى مدعومة من النائب دوري شمعون رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» من دون تجاهل دور العائلات الديرية. فهل تتحول المعركة البلدية في دير القمر الى منافسة بين نائبيها شمعون ونائب حزب «القوات» جورج عدوان وما موقف مؤيدي «التقدمي» في البلدة من هذه المنافسة؟ وعليه، هناك من يحذر منذ الآن من التداعيات المترتبة على «تعليب» اللوائح الانتخابية البلدية بشكل يبدو معه المشهد السياسي وكأن «القوات» و «التيار الوطني» يخوضان المعركة وفي حسابهما السياسي توجيه رسالة إلى جنبلاط. ويعزو أصحاب هذا التحذير السبب إلى احتمال بروز ردود فعل إذا ما أضفى عليها «القوات» و «التيار الوطني» طابع التحدي لجنبلاط الذي ليس في وارد خوض معارك في البلدات المسيحية الصافية لأنه يفضل ترك أمر تدبير شؤونهم لأهلها من دون أن يزج نفسه في انقسام حاد بين المسيحيين. فهل تهدأ الخواطر وتبقى المنافسة في هذه البلدات بلدية بامتياز بدلاً من أن تطغى عليها تصفية الحسابات السياسية ضد خصم ليس موجوداً في الأساس، لأن ما سيترتب عليها من مضاعفات وذيول قد لا يكون محسوب النتائج؟ كما أن تغليب المنافسة السياسية على البلدية يمكن أن يتسبب بإحراج من يدعو لها في داخل «أهل بيته» إضافة إلى أن تعميمها لن يخدم الحفاظ على مبدأ الشراكة والتمثيل الوازن خصوصاً في البلدات المشتركة وتحديداً في مدينة عاليه التي يحرص جنبلاط في ظل رجحان كفة الدروز عددياً على المسيحيين، على أن يكون مجلس بلديتها جامعاً طائفياً ولا يكون من لون طائفي أو سياسي واحد يفتقر إلى نكهة الانصهار البلدي مع عودة المسيحيين إليها.