الفن هو المرآة التي تعكس واقع الشعوب والمجتمعات، بما فيها العادات والتقاليد والأفكار والقيم والمثل العليا، والفن لا يكون فناً إلا إذا تضمن رسالة سامية، ما يجعل منه مصدراً أساسياً للجمال الذي يصبو إليه البشر. لذلك يسعى الإنسان دائماً إلى أن يكون فناناً سواء في عمله أم عند قضاء وقت فراغه، أو حتى وهو مضطجع يحلم بلحظة ينطلق فيها إبداعه. ومهرجان أفلام السعودية يسعى إلى تطوير فن صناعة الأفلام السعودية، من خلال إنشاء قنوات منافسة للهواة والمحترفين العاملين في المجال السينمائي. السينما تتميز عن بقية الفنون بكونها تجمع بين كل العناصر الفنية التي عرفها الإنسان، إذ يمكن اعتبارها بوتقة لبقية الفنون، ولذلك يطلق عليها الفن السابع، فهي تجمع في آن بين العناصر الفنية السمعية، والبصرية، والتمثيلية، والتجريبية، وتضم فنون الموسيقى مع العمارة، والتصوير مع النحت، والشعر مع الرقص. لذا ليس بغريب أن تلفت السينما انتباه المهتمين في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وبمبادرة واهتمام وتنظيم من جمعية الدمام، فكانوا من المهتمين بها وبحركتها. وربما لا يعلم الكثير أن السعودية دخلت عالم السينما منذ الخمسينات، إذ ولدت أول تجربة لصنع فيلم سينمائي عام 1950 في فيلم «الذباب» من بطولة حسن الغانم، ثم في عام 1966 فيلم «تأنيب ضمير» للمخرج الراحل سعد الفريح، وهو الشخصية المكرّمة في مهرجان الأفلام السعودية لهذا العام 2016، وفي السبعينات صدر فيلم سينمائي وثائقي عن تطوير مدينة الرياض 1970، وفيلم «اغتيال مدينة» في عام 1977، الذي حصل على جوائز عدة، وفي الثمانينات كان «موعد مع المجهول» 1980 من بطولة الفنان سعد خضر، ويعد من الأفلام السينمائية الطويلة، إذ تجاوز الساعتين ونصف الساعة. وفي الفترة نفسها تقريباً 1982 كان فيلم «الإسلام جسر المستقبل» للمخرج عبدالله المحيسن. وفي عام 1991 «الصدمة» الذي تحدث عن أزمة غزو الكويت. بعدئذٍ كانت الأفلام متتابعة مثل، «أنا والآخر» 2001، «ظلال الصمت» 2006، «كيف الحال» 2006، «مناحي» 2009، وهو من بطولة الفنان فايز المالكي، «الشر الخفي» 2009، «وجدة» 2012 للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، «حرمة» 2013، وأفلام سينمائية قصيرة كثيرة جداً. في الواقع لقد أذهلنا كثيراً هذا المهرجان لمسألة كيف ينبغي التعامل مع الأعمال السينمائية، لدرجة أننا لا نستطيع التعليق عليه مهما كان ذلك التعليق معبّراً، لقد كان المنظمون سخيين للغاية بما جادوا به من حرص وجهد لإنجاح هذا المهرجان. إن ثمة فكراً كبيراً يتجلى في كل ركن من أركان هذا المهرجان، بدءاً من اللجان المتخصصة، وتنظيم الافتتاح، وبرنامج العروض، ونظام التذاكر، حتى إشعال الإضاءة في نهاية العرض، وهو ما يوضح كيف يمكن أن تكون مثابراً وإيجابياً ليتحقق لك النجاح نظير عملك، ولهذا نجح التنظيم ولو أنه من دون فشار بحسب ما ذكره أحد الجمهور، كي يتسلى المشاهدون. يظن كثير من الناس أن التصوير السينمائي مجرد تنفيذ آلي لخطوط عامة، ومن ثم تكون آلة التصوير هي البطل الحقيقي في العمل، ولا نكاد نكون في حاجة إلى إبداع إنسان. لكن الذي لا يعلمه البعض أن السينما تعاني سلسلة من الأزمات، أهمها هو غياب المخيلة الإبداعية، وهي ما تعني وجود فكرة، ثم ضعف معالجة هذه الفكرة. بعض الشباب متحمس للعمل السينمائي، وكثير أثبت امتلاكه مبادئ الاحتراف المهني، والجرأة في اختيار المواضيع، والرغبة في ابتكار أشكال جديدة للتعبير. مع كل ذلك فإن الإبداع دائماً أساسه الفكرة، ثم تأتي في ما بعد الكيفية التي يتم بها تناول هذه الفكرة. والأفكار المبدعة من أين لها أن تخرج؟ لا شك أنها تنبثق من عقول تحمل فكراً عالياً وواعياً، والوعي كيف يتأتى للإنسان؟ إن من أولويات الوعي التعليم، عندما يكون التعليم منفتحاً ويقبل جميع العلوم، فإن المعرفة الصحيحة تتجلى هنا من دون قيد، فترسخ المعلومات وتنضج بيسر وسهولة، فيتولد عند الإنسان بعدئذٍ إدراك بكل شيء حوله، فلو تخصص شخص في شيء معيّن، عليه القراءة فيه، ومصاحبة رواده، ومجالسة أساتذته، ثم يعمل على أن يشغل الخيال، عندئذٍ يتحقق الوعي، فيصبح للمبدع مسار خصب متكامل. لما يكون السينمائي واعياً، بغض النظر عن فئته العمرية، فإنه أثناء توارد الفكرة يسترخي ويرى ويسمع المشهد كأنه يعرض أمام عينيه، فيرى الأشخاص وهم يقومون بالأحداث، ويخرج الأبطال بالمستوى والأطباع والسلوك، حتى لون الملابس، وربما تظهر أيضاً بعض العلامات الفارقة في الأجسام، كذلك المواقف والأماكن. فما عليه إلا أن يكتب المشاهد كما تخيلها، وعله يفعل ذلك في كل مشهد على حدة. أثناء ذلك سيكون لكتابة النص معنى، من دون التعمق أكثر، إنما يدع كل شيء يتدفق من خلال الفكر والقلم، وعدم خشية المفاجآت من شيء متوقع. لاحظتُ في هذا المهرجان أن الجمهور يتفاعل كثيراً مع عروض الأفلام الوثائقية، وهناك 18 فيلماً وثائقياً مشاركة في هذا المهرجان، وفي الحقيقة أن سبب هذا التفاعل الملاحظ هو أن هذه الأفلام تعالج الواقع لا الخيال، والناس والأماكن والأحداث حقيقية لا متخيلة، لأن الخيالي لا يتناول الفكرة بالطريقة ذاتها التي تنبثق فيها بصدق كأول وهلة، أما الوثائقية فلا تزال صادقة، وغرفت من الواقع مواد إنسانية لمعاينة التحول والتمزق وأفق المستقبل، من خلال شخصيات من صلب المجتمع، كما في الفيلم الوثائقي «أصفر» على سبيل المثال، والأصفر يعني سيارة الأجرة الصفراء، إذ أورد المخرج حكايات السائقين، ومشوار حياتهم مع هذه المهنة، ورمز إلى أن هناك غيرة بين الأصفر والأبيض، وهي من المواضيع المنتقاة من الذاكرة الفردية والجماعية، من اللحظة الآنية لفهم آثار الماضي وتداعيات المقبل من الأيام. تفاعل الجمهور مع العرض لأنه يطرح موضوعاً مثيراً للاهتمام والنقاش، ويبعد كلياً عن إطار التحقيق التلفزيوني، فتفرد بحيز واضح لهذا المزيج البديع من الحكاية والتصوير الواقعي واللعبة الفنية في استخدام الصور والسرد الدرامي، وكان بعيداً عن مفهوم «الربورتاج» التلفزيوني المعروف. إنها إعادة لإيجاد الواقع بأدوات التعبير الدرامي، وارتكاز للمتخيل، بهدف الغوص في الوقائع. لا شك أن الأفلام السينمائية قادرة على إثارة نقاش جدي، بمستويات مختلفة، الموضوع نوعاً واختياراً، أسلوباً ومعالجة، وهي انعكاس لحال المجتمع، إن أمسك دفتها مفكرون واعون فهم بلا شك قادرون بجدارة على تنوير العامة من وعثاء الظلام. كاتب سعودي.