كشف أكبر تسريب لوثائق من نوعه، تورط عدد من قادة العالم والمشاهير ونجوم الرياضة في فضيحة عالمية تكشفت خيوطها أمس، حول حسابات مالية لتهريب أموال إلى ملاذات ضريبية. وكشف تحقيق صحافي ضخم استمر سنة كاملة في نحو 11.5 مليون وثيقة سربت من مكتب المحاماة «موساك فونسيكا» الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ أربعين سنة وله مكاتب في 35 بلدا، عن شبكة من التعاملات المالية السرية تورط فيها عدد من أفراد النخبة العالمية من بينهم مساعدون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأقارب الرئيس الصيني شي جينبينغ، وعدد من مشاهير الرياضة والسينما. وأفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأن البيانات تشمل شركات سرية في الخارج مرتبطة بعائلات ومقربين من الرئيس المصري السابق حسني مبارك والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والرئيس السوري بشار الأسد. وحصلت صحيفة «تسوددويتشه تسايتونغ» على الوثائق التي أصبحت تعرف باسم «أوراق بنما» من مصدر مجهول، ووزعها «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» على 370 صحافياً من أكثر من سبعين بلدا من أجل التحقيق فيها، في عمل مضن استمر نحو سنة كاملة. وعلى رغم ان التعاملات المالية من خلال شركات «أوفشور» لا تعتبر غير قانونية بحد ذاتها، إلا انه يمكن استغلالها لإخفاء أصول عن هيئات الضرائب، وتبييض أموال يمكن أن يكون مصدرها نشاطات إجرامية، أو إخفاء ثروة تم الحصول عليها بشكل غير قانوني سياسياً. وأظهرت الوثائق أن مصارف وشركات ومساعدين مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يرد اسمه هو شخصياً في التحقيق، متورطون بتهريب أموال تزيد عن بليوني دولار بمساعدة من مصارف وشركات وهمية، وهو ما أكسبهم نفوذا خفيا لدى وسائل الإعلام وشركات صناعة السيارات في روسيا، وفق «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين». إلا أن الكرملين ندد أمس بذلك، معتبرا أن الرئيس الروسي هو المستهدف الرئيس بها. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين ان «بوتين، وروسيا وبلادنا واستقرارنا والانتخابات المقبلة، كلها الهدف الرئيس، خصوصا من أجل زعزعة الوضع»، مضيفا أن «لا شيء جديداً أو ملموسا» حول الرئيس الروسي في التسريبات. وفي باكستان، دافعت عائلة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف عن امتلاكها لشركات «اوفشور» بعد أن ورد اسمها في وثائق بنما. وجاء في تلك الاوراق أن السجلات تظهر تورط ثلاثة من أبناء نواز شريف الأربعة: مريم التي يعتقد أنها ستكون خليفته السياسية، وحسن وحسين اللذان تظهر السجلات أنهما تملكا شركة عقارية في لندن من خلال شركات «اوفشور» أدارها مكتب المحاماة. وقال حسين ابن شريف لإذاعة «جيو»، أكبر إذاعة خاصة في البلاد، إن عائلته «لم ترتكب أي خطأ». وقال «هذه الشقق لنا، وشركات الأوفشور هذه أيضا لنا». وأضاف: «ليس هناك ما يعيب فيها، ولم أخفها أبدا ولست بحاجة إلى إخفائها». وعقب اتهامه بالتورط في التهرب الضريبي، واجه رئيس وزراء ايسلندا سيغموندور ديفيد غونلوغسون انتقادات ودعوات الى الاستقالة. وكشفت الأوراق عن امتلاك غونلوغسون سندات مصرفية بملايين الدولارات خلال الأزمة المالية التي كانت تعاني منها بلاده، عندما انهار النظام المالي للبلاد واضطرت المصارف إلى طلب مساعدة إنقاذ مالية. ودعت رئيسة الحكومة الايسلندية السابقة يوهانا سيغوردادوتير، الى استقالته. واشارت التحقيقات كذلك بأصابع الاتهام إلى عائلات عدد من كبار المسؤولين الصينيين، من بينهم الرئيس. وقالت إنهم استخدموا ملاذات «أوفشور» آمنة لإخفاء ثرواتهم. تحتوي «أوراق بنما على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 الف شركة «اوفشور» في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم. وأوردت الأوراق أسماء 33 شخصا وشركة على الأقل مدرجين على قائمة وزارة الخارجية الأميركية السوداء، بسبب تعاملاتها مع كوريا الشمالية وإيران و»حزب الله» اللبناني، وفق اتحاد الصحافيين. وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ان ما كشفته التحقيقات الأولى عن الملاذات الضريبية سيؤدي الى تحقيقات في فرنسا. وشكر الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعا أن تجني خزينة الدولة منها «موارد ضريبية». وقال رامون فونيسكا أحد مؤسسي مكتب المحاماة إن التسريبات «جريمة، وجنحة» و»هجوم على بنما». وقال إن «بعض الدول لا يعجبها أن لنا ميزة تنافسية تجذب الشركات». وأعلنت حكومة بمنا أنها «لا تتساهل» مع اية صفقات مشبوهة، واعدة ب «التعاون القوي» مع أي تحقيق قانوني. وأوردت صحيفة «لا ناسيون» الأرجنتينية التي شاركت في التحقيق أن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري كان عضوا في مجلس إدارة شركة «أوفشور» مسجلة في جزر الباهاماس، لكن الحكومة الأرجنتينية أكدت الأحد أن الرئيس «لم يساهم أبدا في رأسمال هذه الشركة» بل كان «مديرا عابرا» لهذه الشركة. نجوم رياضة ومن بين الشخصيات التي ورد ذكرها في التحقيق لاعبا كرة القدم ميشال بلاتيني وليونيل ميسي والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، إلى جانب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي لم يستفق بعد من الفضائح المتتالية التي هزت أعلى هرمه في الأشهر الأخيرة. وبرز اسم ميشال بلاتيني الذي استعان بخدمات مكتب المحاماة في 2007 عندما تولى رئاسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لتأسيس شركة في بنما. وتعليقاً على هذه المعلومات قال بلاتيني في بيان، أن المرجع في هذه القضية هو «إدارة الضرائب في سويسرا، بلد إقامته الضريبية منذ 2007». وتشمل الوثائق معاملات جرت على مدى أكثر من أربعة عقود (1977-2005) لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمي، ومن بينها معاملات أجراها يان دونالد كاميرون والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والذي توفي في 2010، وأخرى أجراها موظفون مقربون من الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز. وعمل أكثر من 500 مصرف والفروع والشركات التابعة لها مع مكتب «موساك فونسيكا» منذ السبعينات لمساعدة العملاء على إدارة شركات «اوفشور». وساعد «بنك يو.بي.اس» في تأسيس أكثر من 1100 شركة، بينما أسس بنك «اتش.اس.بي.سي» وفروعه أكثر من 2300 شركة. وقال «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» إنه من حيث الحجم فإن «أوراق بنما» هي على الأرجح «أكبر تسريب للمعلومات في التاريخ».