القمة المرتقبة بين الاتحاد الاوروبي وروسيا في روستوف هي في مثابة منعطف. فهي تأتي بعد أيّام من نشر وثيقة وزارة الخارجيّة الروسّية عن توسل السياسة الخارجية الروسية جسراً الى تحديث البلاد. وتتصدر العلاقات بدول الاتحاد الأوروبي الغنية بالخبرات والاستثمارات والتكنولوحيا الحديثة، أولويات روسيا. وتريد الشركة العملاقة «غازبروم» الاستثمار في سوق المستهلكين الافراد بأوروبا. وتؤيد المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي مساعي تحديث روسيا. ويؤيد الاتحاد الأوروبي ارتقاء جاره الأكبر إلى مجتمع حديث اقتصاده متطور ونظامه السياسي ديموقراطي. وتنتظر روسيا من الاتحاد الأوروبي أن يتوسط لدى الولاياتالمتحدة لتسريع ضمها الى منظمة التجارة العالمية. وإلغاء نظام التأشيرات على السفر الى بلدان الاتحاد الأوروبي هو من أهم البنود في جدول أعمال القمّة. وعلى رغم تباين آراء دول الاتحاد الأوروبي في الخطوة، لا يُنكر أنها أبرز أداة يملكها الأوروبيون للإسهام في تحديث روسيا. فالانفتاح الأوروبي على روسيا يقابله انفتاح روسيا على العالم الخارجي. وحري بروسيا الإدراك أن استيراد التكنولوجيا واستقطاب الاستثمارات قد يذهبان أدراج الرياح، إذا لم توفر بنية تحتية تمكنها من الاستفادة منهما. وهذا ما اشار إليه رئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، في الاجتماع العام لأكاديمية العلوم الروسية. فهو قال إن موسكو لم تستفد من المعلومات القيمة التي جمعتها الاستخبارات السوفياتيّة في جميع أنحاء العالم بواسطة التجسس جراء عجز النظام الاقتصادي السوفياتي عن الاستفادة منها. وثمة مخاطر تتهدد عملية التحديث في روسيا اليوم، مثل الفساد الذي ينخر الدولة، وانتهاك حقوق الملكية، وافتقار القضاء الى الاستقلال. ولا يسعنا استيراد حل المشكلات هذه من الخارج. والاصلاح هذا يقع على عاتق الشعب الروسي، وقادته. ويواجه تقارب العلاقات بين روسيا والاتحاد الاوروبي عدداً من الصعوبات. فالحكومات الاوروبية تحتاج الى تسويغ انتهاجها سياسة الانفتاح على روسيا أمام الرأي العام الاوروبي. فصورة روسيا في الخارج قاتمة، وتلح الحاجة الى تحسينها من طريق تعديل سياسات روسيا المحلية والدولية. وفي الأشهر الأخيرة، خطت موسكو بعض الخطوات الإيجابية. فهي بادرت الى عملية المصالحة مع بولندا، والى ترسيم الحدود البحريّة مع النروج. وخلفت الخطوة صدى إيجابياً، في وقت أبدت روسيا استعدادها لتقديم تنازلات في ترسيم حدود المناطق الاقتصادية بمنطقة القطب الشمالي. وفي 2001 ، كان مدار كلام فلاديمير بوتين في البوندستاغ الالماني على توّجه روسيا الأوروبي. ولكن عزلة موسكو تفاقمت مذ ذاك الخطاب. واليوم ثمة فرصة لتقويم مسار روسيا، ووضعها على سكة التحديث. فآثار الأزمة المالية والاقتصادية السلبية دعت روسيا الى انتهاج سياسة جديدة، في وقت برز تأخرها عن اللحاق بقطار التطور في الدول المتقدمة والدول «الناشئة»، على حد سواء. وليست التكنولوجيا والاستثمارات والخبرات الأوروبية وخبرات العالم المتقدم مفتاح التحديث، بل المفتاح هو السعي الدؤوب والجدّي في إصلاح نظام روسيا الداخلي. وإلا لقيت القمة مصير الاصلاح في عهد بريجينيف. وهذا ما لم يغفل عنه بوتين. * مدير مركز كارنيجي في موسكو، عن موقع «إينوسمي» الالكتروني الروسي، 29/5/2010، إعداد علي شرف الدين