أستاذة علم الاجتماع في جامعة الإمارات سابقاً الدكتورة موزة غباش، وابنة دبي البارة التي لا تزال تسكنها روح دبي القديمة ما بين البحر والناس وبيوت الجيران ورائحة السمك وملابس العيد والحلوى، ولم تغادرها على رغم أن دبي غادرت ماضيها وهويتها.تجد موزة غباش أن نصيب المرأة من الأمراض الاجتماعية النصيب الأكبر لأن المشرّع لم يضع لها قوانين تُؤمّن لها العدالة الاجتماعية، وتقترح خطة طوارئ نعيد فيها شبابنا إلى بيئتهم وقيمهم من هجمة الفضائيات وعولمتها، وتوضح أن الترف الخليجي كان كارثة الكوارث حين ولّد لدينا حالة من العجز والكسل، لدرجة أن هناك من يفكر عنا..! وتجد غباش في الوحدة الخليجية حلماً ليس صعباً، فزمننا الآن زمن التكتلات القوية. ... فإلى تفاصيل الحوار: ماذا بقي في ذاكرتك من دبي القديمة؟ - بين دبي الحلم والطموح والتطلعات، ودبي الواقع القائم، يجد الإنسان نفسه متسائلاً عما تحقق في هذه المدينة وما لم يتحقق على أصعدة الحياة كافة، فتتوقف مطولاً ومتأملاً بين ما كانت عليه، وما آلت إليه، وما ينتظرها في المستقبل، فهي مدينتنا وعالمنا الذي أمضينا فيه جلّ حياتنا، وسيظل يرافقنا ويحيط بنا حتى النهاية. أتذكر روح دبي ودفئها وحبها، أتذكر البحر.. الناس.. البيوت.. الجيران ورائحة السمك، أتذكر المريحانة (المرجوحة)، ملابس العيد.. الفرح.. الحلوى، أتذكر عائلتنا الكبيرة جداً، وعائلات الجيران وتلك المحبة الصادقة التي كانت. لقد غادرت دبي ماضيها، وهجرت الكثير من عناصر موروثها حتى فقدت سمات شخصيتها الأولى، وهويتها المميزة، وباتت بشخصية مختلفة، وهوية مغايرة تقريباً فقد أصبحت بشخصيات عدة متداخلة ومتمازجة، وبعدد من الهويات المتشابكة. الحركة النسائية في الخليج هل هي نخبوية ومنفصلة عن شرائح المجتمع؟ - في البدء كانت هذه الحركة نخبوية ومحدودة بحكم البيئة والتقاليد وضعف التحرك بالنسبة إلى المرأة، كانت تلك الحركات تناقش أوضاع المجتمع، أوضاع المرأة، ولكن التواصل مع طبقات المجتمع لحل هذه المشكلات كان ضعيفاً بحكم الظروف والتقاليد. هل لا يزال الجهل القانوني والشرعي هو ما يحول بين المرأة وحقوقها؟ - الآن لم يعد هناك جهل لدى المرأة فقد أصبحت تعلم حقوقها وواجباتها، ولكن إرادة المطالبة بالحقوق لدى المرأة هي وراء ضعفها، ونحن نرى اليوم مدى انطلاق المرأة وحريتها ولكن الكثيرات منهن يحملن حرية فارغة لا معنى لها، فهي تكتفي بالتعليم الذي يوصلها للعمل وبعد ذلك تترك للآخرين حرية التصرف بسبب التخوّف من خسارة هذه المكتسبات. الصورة النمطية للمرأة في الإعلام والمناهج الدراسية تكرّس الأدوار «الجندرية»، والنظرة الدونية للمرأة، كيف ننهي هذا المسلسل؟ - لا أعتقد أن هناك نهاية لهذا المسلسل، لأن التركيبة الفكرية المجتمعية غير قابلة للتغيّر بسهولة، يعني طالما بقي المشرّع يفسر النص الديني الرجال قوامون على النساء (وللرجال عليهن درجة) بأنه يدل على وضاعة ودونية المرأة لن ينتهي المسلسل. عند صنع القرارات، تُنبذ المرأة إلى مكان قصي، هل هي أزمة ثقة؟ - لا، إنه الخوف من صعود تلك «الوضيعة» - من وجهة نظر بعض الرجال- إلى القمة. الاستقلالية الاقتصادية للمرأة هل تزعزع الكيان الأسري؟ - المرأة عامل اقتصادي مساعد للأسرة، وهذه المساعدة أسهمت في تماسك الكثير من الأسر، الخلل ليس في العمل، بل في المرأة العاملة ومدى التزامها بقواعد الأسرة. صورة المرأة في الدراما الخليجية التلفزيونية هل هي منصفة؟ - في الحقيقة مبالغ فيها للهدف الدرامي طبعاً، ولكن لا شيء يأتي من فراغ. العنف الرمزي والثقافي ضد المرأة، كيف يمكننا اقتلاعه من جذوره؟ - بنشر الثقافة المضادة لهذا العنف، والتوعية المبكرة للأجيال القادمة بقيمة المرأة الإنسانية. من الستينات حتى الآن، كيف تقرئين نضال المرأة الخليجية لاكتساب حقوقها؟ - هي الحلقة الأضعف، التهميش، الحساسية النفسية الشديدة تجاه الأشياء التي تعطي رد فعل مباشراً يظهر على شخصية المرأة وجسدها. الفراغ، المرض، البطالة، الفقر، العنف.. لماذا النصيب الأكبر من هذه الأمراض للنساء؟ - لأن المشرّع لم يضع قوانين تؤمّن العدالة الاجتماعية. الكفاءات النسائية الخليجية، لماذا تنجح في قيادة المنظمات الدولية وتتم إعاقتها داخلياً؟ - لأن التنافس الوظيفي في مجتمعاتنا غير نزيه، وما زالت المقولة المشهورة ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ماثلة في عقول الجميع، وأيضاً التهميش الناجم عن خوف الرجل من تفوّق المرأة. قضية الأمن الاجتماعي للمرأة، لماذا هي مغيّبة عن أجندة السياسات العامة؟ - ليست مغيبة ولكنها البند الأخير، وإلى أن نصل إليه نسأل الله الصبر والسلوان. هل ستتحقق للمرأة العدالة في ظل ربطها بولي الأمر؟ - ما المقصود بولي الأمر؟ إذا كان الأب أو الأخ أو الزوج فالوعي بهذه الرابطة، والوعي بدور المرأة الأم والأخت والزوجة ومهامها يجعل من هذه الرابطة عملاً إنسانياً فاعلاً يخدم المجتمع بكل فئاته، ولا نشجع أبداً وبالمطلق فك هذا الترابط، لأن تفككه يعني ضعف المجتمع، وأيضاً لا نشجع على فك الرابطة بين المرأة وولي الأمر وهنا نقصد السلطة. ولكن علينا أن نوجد علاقة أكثر ترابطاً وتدفع نحو إعطاء المرأة حقوقها الناقصة وتمنحها الأمن الاجتماعي، وفي النهاية إذا كان ولي الأمر عادلاً فستكون المرأة في ظله تتمتع بأقصى درجات الحرية الإيجابية. لماذا اغلب خطابنا الديني يبدأ باستخدام التهديد والوعيد، ويستخدم التشديد والتضييق، بينما الدين يسر وصالح لكل زمان ومكان؟ - التهديد والترغيب وسيلتا إقناع ونستخدمهما جميعاً ولكن متى وكيف هو المهم، والله سبحانه وتعالى استخدم الوعيد والترغيب من أجل دفع الناس نحو الإيمان، لذا وانطلاقاً من هذا المبدأ إذا كان الترهيب والترغيب لمصلحة المجتمع وخدمة الإنسانية فهو شيء إيجابي، لكن علينا الانتباه أن لا يصبح هذا الأسلوب عنيفاً ضد المرأة، فهي مخلوق واعٍ لكل مجريات الأمور من حولها. والعنف تجاهها يعطي رد فعل سلبياً على الأصعدة كافة نفسياً واجتماعياً، ولنعلم أن ديننا حتى الترهيب والوعيد فيه لا يرقيان لدرجة العنف تجاه الآخر، فأنت ترهب وترغب ولكن لا تفرض، علينا أن نبدأ أولاً كما بدأ رسولنا الكريم بالترغيب، وبعدها لكل حادثة حديث. «الفتوى» لماذا أصبحت تتصدر الصفحات الأولى للصحف؟ - إن تطور وسائل الإنتاج أدى بالضرورة إلى تطور في العلاقات الاجتماعية، وبالتالي هذا التغيّر الكبير في العلاقات الإنسانية يتطلب منا دائماً معرفة نوعية هذه العلاقة الجديدة ومدى مشروعيتها دينياً بحكم ارتباطنا الوثيق بالدين وهذا أمر طبيعي جداً. لكن ما هو غير طبيعي استغلال علاقتنا بالدين كونه مظلتنا الأولى والأخيرة من أجل تمرير بعض المواقف السياسية أو غيرها لجعلنا أمة خانعة ذليلة تقبل بكل ما يعرض لها، وهذا ازداد في الآونة الأخيرة، وليس من سبيل لجعلنا نتقبل ما لا يمكن تقبله إلا من خلال ربطه بالدين، فكانت الفتاوى بداعٍ وبغير داعٍ. «الليبرالية، الحداثة، الديموقراطية، الحقوق» لماذا هي مفردات سيئة السمعة لدى الأنظمة العربية؟ - لدى الأنظمة العربية حساسية تجاه هذه المصطلحات لأنهم يعتقدون أنها قد تؤثر في استئثارهم بالسلطة، وهذا غير منطقي وأطمئن كل الأنظمة لا داعي للخوف من هذه المصطلحات لأننا أمة تجهل وبشكل كامل تقريباً معناها ومن جهل الشيء عاداه، ولذلك يسعى النظام وحتى الخارج إلى نقل صورة مشوهة لهذه المصطلحات لخلق فوضى أحياناً، من هنا إما أن نحمل القيمة الحقيقية لهذه المصطلحات فكراً وتطبيقاً، وإلا فالجهل بها أرحم. ربطنا بين 11 أيلول (سبتمبر) ومشاريعنا الإصلاحية، ألا يعطي انطباعاً عن إقرارنا بالمسؤولية حول الحدث؟ - المشاريع الإصلاحية لمن ومن المستفيد منها، إنه المواطن الذي قد يجعله هذا الإصلاح أكثر استقراراً في المستقبل، وهذا أمر لا يرضاه الغرب المسيّس إعلامياً من جهات تسعى لبقائنا تحت السيطرة، فأتوا علينا. وبحكم أن منفّذي هجمات سبتمبر من مجتمعنا ومن ديننا وزرعوا فينا عقدة الذنب، لدرجة أحسّ معها كل مسلم وكل عربي نتيجة الضغوطات التي تعرّض لها بعد هذه الحادثة بأنه هو شخصياً مسؤول عن هذه الأحداث، وانتقلت أيضاً إلى مجتمعاتنا ذريعة وهاجس الأمن ومكافحة الإرهاب لتنال من القسم الأكبر من كل الخطط الموضوعة لإصلاح المجتمع، فكانت أيضاً فرصة للأنظمة العربية وبعض الإسلامية لإحكام قبضتها في السلطة والإطاحة بالمشاريع الإصلاحية الأخرى التي قد تضعف من سيطرتها، طبعاً تحت بند مكافحة الإرهاب والهاجس الأمني. لماذا يعيش مجتمعنا انفصالاً بين الهوية والواقع؟ نحتكم إلى الدين وبنوكنا ربوية، نتشدق بتكريم المرأة ونقصيها عن الحياة العامة؟ - مجتمعاتنا تعيش نوعاً من انفصام الشخصية، ذلك أن الهجمة الحضارية والمادية التي قصفت مجتمعنا لم نكن بالجاهزية المطلوبة لها، فبدأنا نعيش التناقض بين ما هو موجود بحكم المادة وبين ما يحكم به الشرع. نحن بعيدون عن الشرع والدين ولكن لا نريد أن نعترف خوفاً من الشعور بالذنب، ولأن هذا الانفتاح المفاجئ الذي نريد أخذه لم يراعِ بيئتنا أو ديننا، وأصبحت لدينا قناعة في مجتمعنا بأن ما يأتينا من الغرب ومن الآخرين هو التطور والحضارة، فأخذنا أشياء كثيرة من دون مراعاة واقعنا، وعندما أردنا أن نحلل وأن نعود وجدنا أنفسنا قد ابتعدنا أكثر من اللازم، والعودة تحتاج تغييراً كبيراً لا أعتقد أننا قادرون على تحقيقه. ويجب أن تلاحظي أن مسألة اليأس هي ناتجة من الفجوة بين الحلم والواقع، وهذا اليأس دفع بكثير من شبابنا إلى المغالاة والعنف من أجل التغيير. برامجنا الإصلاحية والتطويرية تصطدم بقوة مقاومة التغيير، ما المخرج؟ - تنطلق مقاومة التغيير من أشياء عدة: أولاً: نحن أمة منهكة والناس تشعر بهزيمة داخلية عنيفة نتيجة فشل كل التجارب الإصلاحية السابقة، ويأس كل من عمل ضمن هذه البرامج. ثانياً: كل المشاريع الإصلاحية القادمة إلينا هي مشاريع بعيدة عن بيئتنا وديننا وتقبلها في غاية الصعوبة، إننا بيئة بسيطة نحتاج إلى الخبز والحرية فقط لا نحتاج إلى ليبرالية لا نفهمها، ولا ديموقراطية مليئة بالفوضى والعنف، دعينا نرى تلك الديموقراطية القادمة على فوهة المدفع إلى العراق ماذا فعلت به، نريد إصلاحاً ينبع من قلب واقعنا يشعر معنا يعيش بيننا. يمنح الخبز والحرية، لأن أي فصل بينهما يسبب إرباكاً وفوضى. ثالثاً: عدم الثقة بالقادة فهم مع الناس وبينهم في حركتهم الإصلاحية، وعندما يصلون إلى السلطة يصبحون مطرقة أخرى، لذا من دون حرية واعية ومنظمة تناسب واقعنا ستفشل كل الحركات الإصلاحية. منهاج حقوق الإنسان في التعليم العام، هل يخيف صناع القرار؟ - نحن بحاجة ماسة لتربية أبنائنا على حقوق الإنسان منذ الصغر، وذلك لإنشاء جيل واعٍ بحقوقه وواجباته، وهذا طبعاً يخيف صناع القرار، لأن وعيهم بحقوقهم سيدفعهم للمطالبة بما ينقص منها وهذا مقلق لدى النظام، ولكني أخاف على وعي أولاد مجتمعاتنا بحقوقهم لأنهم سيصدمون حين يعلمون أن كلباً في أحد أحياء باريس يمتلك من الحقوق أكثر مما قد يمتلكونه بعد طول نضال ومطالبة. الميل للتوجّه إلى تطوير التعليم، لماذا يكون مصاحباً لمسح الهوية الحضارية؟ - هل تعلمين ماذا يُقصد بتطوير التعليم في مجتمعاتنا، هو أن نذهب إلى أكثر البلدان تطوراً ونأتي بمناهجها ومستشاريها وطريقة تعليمها، لذا فأولادنا يعرفون عن «دارون» أكثر مما يعرفون عن «ابن الهيثم»، طبعاً إذا كانوا يعرفونه، ويعرفون عن شكسبير أكثر مما قد يعرفون عن المنفلوطي أو عبدالحميد الكاتب مثلاً، ويعرفون عن الحرب العالمية أكثر مما يعرفون عن غزوة أحد، أو استيطان اليهود في فلسطين، أو عما يجري في العراق وأفغانستان وباكستان، أو ما يجري من تدخل في الخليج العربي ومقوماته وثرواته. أموال بلا جدوى الأبحاث العلمية هل لها نصيب من مخصصات موازناتنا؟ - طبعاً هناك موازنة لأبحاث قد تستطيع في المستقبل أن تطور قاتلاً للصراصير، ماذا تتوقعين إذا علمت أن موازنة الأبحاث في إحدى جامعات أميركا أكبر من موازنات كل الأبحاث في كل الدول العربية مجتمعة، نحن أمام واقع مخيف، نريد ولا نعمل من أجل ما نريد، نتحدث عن التطوير ونخافه، طبعاً لأنه مكلف وقد يأخذ من موازنة التسلح أو موازنة القمع أو موازنة النهب العام. أعود وأقول يجب علينا أبناء الخليج أن نقف على أرضية علمية صلبة، ونعود بالتفكير إلى علومنا ومناهجنا، ونستخدم الأبحاث لإعادة إنتاج هذه العلوم. إننا نسعى إلى تخطي حالة الفوضى غير المنظمة في مجال كل أنظمتنا التعليمية، وكيف ستواجه أجيالنا المستقبل؟ وما نوع العلوم التجريبية أو الاجتماعية التي سنحملها في عقولنا لنواصل بها بناء مجتمع الخليج وصيانته وحمايته، حتى لا نظل نعيش حفلة الترف الفكري. من تجدين أنه مهيأ أكثر للتغيير، الشعوب أم الحكومات، وهل يجب أن يأتي التغيير من الخارج؟ - التغيير كلمة تجهل مجتمعاتنا معناها وأدواتها، أما من يغيّر فيجب على التغيير دائماً أن ينطلق من الطبقة المتوسطة، وهي طبقة في طريقها إلى الاضمحلال، ما يعني أن إمكان التغيير القادم من جهة الشعب غير متوقّع في المدى المنظور، لكن ازدياد الضغط الموجّه من الحكومة تجاه الشعب لإضعاف الحركة التغييرية لديه عن طريق جعله طوال الوقت مهتماً بتغيير ثيابه أو طعامه أو منزله وغير ذلك من مستلزمات ورفاهية الحياة، وجعله يقوم بسباق تتابع وراء رغيفه وعيشه، طبعاً لتقوية حاله البدنية وبقائه رشيقاً! أما التغيير القادم من الحكومات فهو تغيير على مقاس السلطة محدود الفائدة كثير الأضرار، أما التغيير القادم من الخارج فهو تغيير لمصلحة الخارج ويبذل كل ما يستطيع لإحداثه لأن له به مصالح، وبالتأكيد مصالحه مختلفة عن مصالحنا، ومع ذلك فإن كل مشاريع التغيير القادمة من الخارج والتي لا تناسبنا تفشل وهذا من إيجابيات جمودنا. ألا يمكننا تقديم أنفسنا من دون وصاية دولية، هل يستهوينا دائماً دور «القاصر»؟ - إن من أهم السمات التي يمتلكها المجتمع العربي كما أخبرنا هشام شرابي، الاتكالية والعجز والتهرب، وهي صفات امتلكناها نتيجة ضعفنا الذي يدفعنا للاستعانة بالغير كي يؤدي عنا أعمالنا، فأصبحنا نجد المتعة بأن يقوم الآخرون بالمهمات عنا. وهذا مرتبط بشكل مباشر بطبيعة الديموقراطية المرسومة داخل الكيان الاجتماعي، تلك الديموقراطية التي تجعل من كل شرائح المجتمع موالاة ومعارضة لديهم ولاء واحد هو الوطن وقيمه، ما يبني مجتمعاً قوياً مستقلاً ومتقدماً، مثلاً بشأن قضايانا السياسية نذهب إلى الأممالمتحدة وهي بدعة لا تستخدمها سوى المجتمعات العاجزة، هل سمعت يوماً أن اليابان قدمت شكوى في الأممالمتحدة أو فنزويلا أو فرنسا أو كوريا؟ مع العلم أن كل هذه الدول فيها مشكلات سياسية أو حدودية، لقد انشغلت مجتمعاتنا العربية بقضايا السلطة والسيطرة الداخلية والأمنية لتترك بذلك المجال للوصاية أن تنتقل إلى مناحي الحياة كافة بعد أن كانت تقتصر على دور الحماية. مسؤوليتنا تجاه التراث المحلي، هل تنحصر في حفظه بالمتاحف؟ - المتاحف! أين هي؟ ولمن هي؟ وماذا تحتوي؟ هل استطاع العرب جميعهم وبكل ثروتهم أن يبنوا متحفاً واحداً لتاريخهم يشبه مثلاً اللوفر أو أرميتاج؟ طبعاً لا، نحن نبني متاحف للسياحة، وليست لحفظ التراث أو التاريخ وتعليمه لأبنائنا. والتراث ليس للحفظ بل للنشر، يجب أن يكون التراث في كل مكان، في الشارع، في البيت، في المدرسة، في السوبرماركت، في كل مكان نستطيع الوصول إليه، ذلك أننا أمة بدأت تنسى هويتها وفكرها وعقيدتها، وهذا ما دفعني إلى تجميع التراث الإماراتي في كتاب نفد من السوق لرغبة الناس في أن يستجمعوا معرفتهم بتراثهم وأن ينقلوه إلى أبنائهم وأحفادهم، ومع هذا الإقبال على الكتاب إلا أننا ما زلنا عاجزين عن إصدار طبعة جديدة منه. سكان الخليج الشباب والأطفال، النسبة الأكثر في تعداد سكان الخليج، هل قدمنا لهم ما يناسبهم لقيادة الحياة؟ - في الحقيقة تبذل دول الخليج جهداً كبيراً وجباراً من أجل أن ينال أبناؤنا فرصة حقيقية في قيادة المجتمع، ولكن ما يحدث أمر غريب، كلما زادت موازنة التعليم مثلاً يزداد استهتار أبنائنا بقيمة العلم، وكلما ازداد عدد المستشارين في مجالات الشباب، تزداد نسبة الشباب الذين ينبذون قيمهم ومجتمعهم، وكلما ازداد التطور الاقتصادي زادت البطالة. من هنا علينا مراجعة آلية تعاملنا مع الشباب والأطفال ونبحث عن مصدر الخلل، وهذا يحتاج إلى أبحاث ودراسات ميدانية مستمرة للبحث عن الحاجات الأساسية لأبنائنا، فالتغير المستمر والسريع لأدوات الإنتاج سيفرض حكماً تغيراً بالفكر والسلوك والهدف، وبالتالي تغيّر نوع الحاجة، ولكن لا أحد. فنحن مثلاً نملك جمعية دراسات إنسانية، لم يطلب منا سوى دراسات قليلة ترتبط بالتعليم، فلا أحد يرغب بمعرفة حاجات الأطفال والشباب فالجواب دائماً ماذا يريدون، تعليماً وهو مجاني تشجيعاً على العلم، ونعطي من المنح الكثير فماذا يريدون؟ هذا ما يجب أن نبحث به ماذا يريدون؟ الترف الخليجي هل فتح علينا أبواباً كانت مواربة؟ - الترف الخليجي هو كارثة الكوارث لدينا، فبعد أن كنا نشرب الماء قبل سنوات قليلة بالفخار الآن نشربه بكؤوس من ذهب، وهذا أمر مخيف يدل على ضعف قدرتنا في إدارة أموالنا، إضافة إلى التبذير والبذخ الذي نقل صورة سلبية عن هذا الترف إلى العالم، إذ فتحت الشهية للنصب على الإنسان الخليجي. وهذا الترف ولّد حالاً من الكسل والعجز، فأصبح هناك دائماً من يقوم بالعمل عنك وحتى يفكر عنك، علينا محاصرة الإنفاق، وتركيزه في جوانب أكثر بساطة وأكثر روعة، وهذا يتم عبر حملات توعية لترشيد الإنفاق الاستهلاكي. خطط التنمية البشرية لدينا، هل تتناسب مع المتغيرات العالمية؟ - بالطبع لا، فالتنمية البشرية في مجتمعاتنا تنمية قاصرة وغير شاملة، ذلك أننا نعتمد على تنمية الواجهة ونترك ما تبقى من المجتمع عرضة للفقر والتخلف، لذا لا نستطيع مواكبة المجتمعات المتطورة، فالتنمية القاصرة تنجب أجيالاً غير قادرة على اللحاق بقطار التطور السريع والسريع جداً. لذا مازالت مجتمعاتنا تعاني صدمة التطور التقني، ذلك أن القطاعات التي خضعت للتنمية البشرية مازالت قليلة العدد نسبياً، ومن لم يخضع لهذه التنمية فسيبقى كالأرنب المذهول من فوز السلحفاة في السباق. تطورت مدن الخليج أسمنتياً، ولكن هل تطوّر الإنسان فيها؟ - لقد بدأ يتطور، فالتغيرات الإسمنتية فرضت تغيرات خفية أو ظاهرة على الإنسان الخليجي الذي أصبح يريد أن يكون منافساً وفاعلاً في الحركة الإسمنتية، الأمر الذي فرض عليه التعلم والاتصال والتواصل. لذا أصبح مجتمعنا الخليجي يزخر بالكثير من المثقفين والسياسيين والاقتصاديين الذين تفخر بلدهم بهم، وأنا مؤمنة بقدرات الإنسان الخليجي التي سيأتي عليها يوم تصبح هي المسيطرة في حركة بناء المجتمع من دون الحاجة إلى مستشارين غرباء عنا همهم نهب ثرواتنا. الإمارات بعالميتها، هل بدأت تفقد هويتها المحلية؟ - حتى الآن نحاول في الإمارات وبأطياف المجتمع كافة حكومة وشعباً ألا نفقد هذه الهوية، لكن الأمر لم يعد بيدنا وحدنا، لقد تداخلت المصالح المحلية مع العالمية بشكل يصعب الفصل فيه، خصوصاً في مجتمعاتنا الصغيرة، إذ أصبحت هناك تكتلات اقتصادية كبرى ومؤثرة غير إماراتية. فالأمر وبحمد الله على رغم ذلك لم يصل إلى القرارات السيادية حتى الآن، لذا علينا السيطرة المطلقة على التغيير في التركيبة السكانية المؤثرة في الهوية الوطنية من خلال اتخاذ قرارات جريئة وصعبة، وقوانين شديدة الصرامة لتعديل هذه التركيبة حتى ترجح الكفة العربية، التي من خلالها نستعيد هويتنا، وأعتقد علينا الإسراع في هذا، مستغلين الأزمة التي يعاني منها العالم، فربَّ ضارة نافعة. الوحدة الخليجية، هل ستبقى حلماً صعب المنال؟ - الوحدة الخليجية حلم صحيح ولكن ليس صعب المنال، ما نحتاجه هو الإرادة السياسية القوية والجريئة لاتخاذ خطوات أكثر فاعلية تجاه تحقيق الوحدة، الجميع بدأ يستشعر ضرورة الوحدة الخليجية في زمن لا يبقى فيه إلا التكتلات القوية، ولكن مازال الخوف المحلي على الهوية والسيادة هو الهاجس والعقبة الكبرى في طريق الوحدة، ومع ذلك هناك مؤشرات على قدومها من خلال الخطوات التقاربية التي يتخذها مجلس التعاون الخليجي.