ما زالت حادثة الجندي الإسرائيلي قاتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح أبو الشريف في الخليل قبل أيام، تستحوذ على أجندة الساحتين الحزبية والإعلامية في إسرائيل، في وقت يبدو أن أقطاب اليمين الذين يعلنون على الملأ وقوفهم إلى جانب الجندي وعائلته يسجلون نقاطاً لمصلحتهم لدى الرأي العام الإسرائيلي على حساب رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غادي آيزنكوت الذي يتعرض لهجوم عنيف من اليمين بداعي أنه «تخلى عن الجندي»، فيما أعلن عماد أبو شمسية الذي وثّق قتل الجندي الإسرائيلي الشابَّ الفلسطيني، أنه يتعرض لتهديدات بالقتل من المستوطنين. ولم تفاجئ نتائج استطلاع أجرته القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أحداً، إذ بيّنت أن غالبية من 57 في المئة من الإسرائيليين تؤيد الجندي القاتل وتعارض اعتقاله وتقديمه للمحاكمة في مقابل 32 في المئة فقط يؤيدون الاعتقال والمحاكمة. واعتبر 42 في المئة قيام الجندي بإطلاق النار على الفلسطيني وهو ملقى أرضاً بلا حول ولا قوة، «تصرفاً مسؤولاً» فيما أضاف 24 في المئة أن ما قام به هو «تصرف طبيعي تحت الضغط»، في المقابل اعتبر 19 في المئة فقط أن القاتل خرق التعليمات العسكرية، و5 في المئة قالوا إن ما حصل هو «القتل العمْد». ورأى 68 في المئة في انتقادات آيزنكوت الجنود الذين يضغطون بسهولة على الزناد ودعم وزير الدفاع موشيه يعالون إياه «غير مبرر»، فيما دافع عنهما 21 في المئة فقط. وتأتي هذه النتائج رغم إفادة جندي كان في مكان الحادث بأن زميله القاتل حضر إلى الموقع بعد 11 دقيقة من إطلاق الرصاصة الأولى على الشريف التي أسقطته أرضاً مصاباً غير قادر على الحركة، وبعد أن تم التيقن من أنه لا يتزنر حزاماً ناسفاً. كذلك بيّن شريط فيديو آخر لمنظمة «بتسيلم»، أن الجندي القاتل اهتم بعد أن أعدم الشريف بمصافحة الناشط المتطرف في حركة «كهانا» العنصرية المحظورة باروخ مارزل، الذي يوزع الحلوى والبيتزا على الجنود في كل مرة يقتلون فلسطينياً. وكان يعالون كرر اتهامه سياسيين بمحاولة «إرضاء أقلية متطرفة عنيفة ستقودنا حتماً إلى الفوضى»، في إشارة إلى زميله في الحكومة زعيم «البيت اليهودي» المتطرف نفتالي بينيت ووزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، اللذين هاجما وزير الدفاع بعنف. من جهته، اشتكى المصور الفلسطيني المتطوع في منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية الذي وثق جريمة إعدام الشاب الفلسطيني، عماد أبو شمسية، من أنه يتعرض لتهديدات متتالية بالقتل من مستوطنين. وقال لوكالة «رويترز» أمس: «أتلقى اتصالات من أرقام خاصة يتحدث فيها المتصل بالعربية ولكن بلكنة غير عربية، يقول لي أنت ستندم من أجل تصوير هذا الفيلم، سنحرق بيتك ونحرقك داخل البيت إذا بقيت فيه»، مضيفاً أن منزله «تعرض لهجوم يوم الجمعة من المستوطنين إلا أن أحداً لم يصب بأذى». وأعرب أبو شمسية عن قلقه مما يمر فيه قائلاً: «أشعر بالقلق ليس على حالي فقط، بل على أطفالي أيضاً. أشعر بأنني مهدد وأطفالي مهددون. ونتوقع أي شيء في أي لحظة، خاصة أني قريب منهم (المستوطنين)». ويرى أبو شمسية أنه تمكن من توثيق «هذه الجريمة، وقدرنا أن نثبت للعالم أن هذه الحواجز عبارة عن مصائد لشبابنا وفتياتنا». وكان أبو شمسية قال الأحد إن الجيش الإسرائيلي استدعاه يوم الحادث وحصل منه على المادة الأصلية المصورة ووجه إليه مجموعة من الأسئلة، مثل: «هل أدخلت تأثيرات فنية معينة على التصوير؟ فأجبت: لا، إنها الحقيقة مثلما حصلت أمامي، ووقعت على ذلك، وأبلغوني بأنه سيتم استدعائي مرة جديدة». وحذر كبير المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ناحوم بارنياع من أجواء التطرف التي تجتاح الشارع الإسرائيلي وانعكست بشكل واضح في ردود فعله على عملية قتل الفلسطيني، وكتب أن «الجديد في موجة الإرهاب الحالية هو في الرد الشعبي. لم تعد هناك محاولات للدفاع عن الجندي المشتبه بالقتل بداعي مساهمته في أمن الدولة أو لسبب نفسي، إنما هناك تبرير لفعلته وتبرئة ساحته». وأضاف أن إسرائيل اليوم أمام جيل جديد يبحث عن الانتقام... وأمام جيل جديد من السياسيين الذي يدعم بقوة الإجرام. وقد أصبح القتل بدم بارد بنظرهم عملاً بطولياً، ويعتبر تطبيق قوانين الجيش خنوعاً». وأردف أن «الأعراف في المجتمع الإسرائيلي تمر سيرورة البهيمية، والتقاء الانفلات في شبكات التواصل الاجتماعي مع الديماغوجيا المنفلتة في المنظومة السياسية يؤدي إلى ورم خبيث يهدد أكثر المنظومات حساسية في الجسم». واختتم قائلاً: «لا مفر من تسمية الولد باسمه: إنها الفاشية». وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية على موقعها الرسمي، إن مقاطع الفيديو تظهر إطلاق النار على عبد الفتاح أبو الشريف وهو مصاب: «تؤكد صدق الرواية الفلسطينية التي لطالما حمّلت الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها المختلفة المسؤولية المباشرة عن عمليات الإعدام الميدانية».