لا تخفي إسرائيل الرسمية حرجها مما وصفته أوساط سياسية رفيعة «الضرر الاستراتيجي لإسرائيل» في الحلبة الدولية الذي سببه شريط فيديو اول من امس يظهر فيه جندي إسرائيلي يطلق النار على الشاب الفلسطيني عبدالفتاح يسري الشريف في تل رميدة في الخليل وهو ملقىً جريحاً ويقتله، فيما لقيت الجريمة تبريراً بل ترحيباً في أوساط يمينية متطرفة اعتبرها بعضها معايدة في «يوم المساخر» اليهودي. وأقرت أوساط في وزارة الخارجية بأن ما حصل «هو قتل فلسطيني بدم بارد»، ما حدا بالوزارة أن تصدر تعليماتها لممثليها في أنحاء العالم لمواجهة الانتقادات المتسعة وحقيقة تداول أبرز وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدة وأوروبا الموضوع في صدر عناوينها، منها ما كتبته صحيفة «الغارديان» البريطانية بأن الحادثة «تشكل دليلاً قاطعاً على صحة ادعاءات الفلسطينيين ومنظمات حقوقية إسرائيلية بأن جنود الجيش الإسرائيلي يطلقون النار على فلسطينيين مشبوهين بالهجوم بهدف قتلهم حتى بعد شل حركتهم». وحدا نشر الشريط في أنحاء العالم بسدنة الحكومة وقيادة الجيش إلى إصدار بيانات تدين الفاعل، وتقول إن «هذا الجندي لا يمثل قيم الجيش الإسرائيلي»، على ما جاء في بيان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، وأنه «يتعارض تماماً مع أخلاقيات القتال»، وفق بيان وزير الدفاع موشيه يعالون، مضيفاً انه سيتم التعاطي مع الموضوع بكل جدية «من دون أن نتهاون في حربنا على الإرهاب الفلسطيني، لكن الويل لنا إذا قمنا بشيء يتعارض وقيم أخلاقنا وضميرنا». ولم يرق هذا الكلام لنواب اليمين المتطرف، إذ اعتبر وزير الخارجية السابق، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف أفيغدور ليبرمان «التهجمات على الجندي منافقة وغير مبررة»، مضيفاً أنه «يفضل جندياً أخطأ لكن بقي على قيد الحياة، على جندي متردد يقتله مخرب». وكتب النائب السابق من حزبه ينون مغال على صفحته في «فايسبوك» ان «عيد مساخر سعيد»، لينسخه المئات من اليهود المتطرفين على صفحاتهم ابتهاجاً بجريمة القتل. وهاجم نائب من «البيت اليهودي» نتانياهو على بيانه، وقال إن كل من يحاول قتل يهودي سيكون في عداد الموتى. ونقلت وسائل الإعلام عن محامي المتهم تبريره الجريمة بأنه «فعلَ الأمر الصواب لأنه خشي أن يكون الفلسطيني متزنراً حزاماً ناسفاً». وانعكس مشهد الانقسام في الرأي أيضاً في تعليقات كتبة الأعمدة في الصحف، إذ برر بعضهم الجريمة بأنها «دفاع عن النفس»، وأن «النقاش في شأن أخلاقيات الحرب في وقت يُقتَل مواطنون يؤشر بحد ذاته إلى القيم العالية للإسرائيليين وليس إلى ضعفهم»، فيما اعتبر معلقون آخرون الحادث «طعنة في ظهر الجيش»، و «دعماً لادعاءات الفلسطينيين في شأن إعدامات بدم بارد». وكتب المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أنه لولا نجاح مصور الشريط الفلسطيني المتطوع في منظمة «بيتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية عماد أبو شمسية في توثيق الحادثة بتفاصيلها الكاملة، لمرت هي أيضاً مر الكرام. وأضاف أن ما شاهده في الشريط الفظيع هو «إعدام بدم بارد»، مستهجناً «لا مبالاة تامة من الضابطين الكبيرين اللذين كانا في الموقع ولم يحركا ساكناً لمنع الجندي من إطلاق النار على الفلسطيني الذي لم يشكل أي خطر عليهم، ولم يبلغا المسؤولين عنهما عما حصل». وحذر من أن يصب الشريط «وقوداً على نار الانتفاضة المشتعلة»، لكنه اعتبر ذلك «نصف المشكلة»، مضيفاً أن «الأمر الأساس هو أن الشريط يُظهر لنا في شكل نادر توثيقاً شاملاً للحادث لا يبقي مجالاً لتحليلات متناقضة». واستذكر المعلق الضجة التي أثارها وزراء ونواب قبل شهر في أعقاب تحذير رئيس هيئة الأركان الجنرال غادي أيزنكوت الجنود من أن تكون أياديهم خفيفة على الزناد، مثلما حصل في قتل شابة فلسطينية كانت تهاجم جندياً إسرائيلياً بمقص. وكتب أن «ايزنكوت يدرك أننا في منحدر زلق، وأن البهيمية على غرار ما حصل أمس في الخليل يمكن أن تتحول الى تعليمات شفهية ونهجاً للجنود في الميدان». وأضاف أن ما حصل «لا يشكل مفاجأة في ظل دعوة ساسة ورجال دين يهود الجنود وأفراد الشرطة إلى قتل فلسطينيين مهاجمين من دون أي حساب، فيما المستوطنون في قلب الخليل من ناشطي حركة كاخ العنصرية يوزعون البيتزا على الجنود بعد قتلهم فلسطينيين». ودعا نواب من أحزاب الوسط قيادة الجيش إلى التعامل مع الجندي القاتل الذي تم اعتقاله بصرامة ليرى العالم ذلك. ولم تستبعد أوساط عسكرية دعوة الضابطين إلى التحقيق على قصورهما. وكانت الأممالمتحدة دانت ليل الخميس - الجمعة «عملية إعدام» الفلسطيني، ووصفتها بأنها عمل «مريع وغير أخلاقي وظالم». وقال الموفد الخاص للأمم المتحدة الى الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف في بيان: «أدين بشدة الإعدام التعسفي الظاهر لمهاجم فلسطيني في الخليل»، مضيفاً انه «عمل مريع وغير أخلاقي وظالم يساهم فقط في تأجيج العنف ويجعل الوضع الحالي أكثر توتراً مما هو عليه». ورحب بإدانة هذا العمل على لسان يعالون، ودعا السلطات الى محاكمة الجندي سريعاً.