لا أشفق على القمة العربية المقرر أن تنعقد خلال أيام لأن أهل القمة بحكم موقعهم ومكانتهم هم فوق الشفقة، ولأن الناس العاديين، أمثالنا، كادت تتحجّر مشاعرهم تجاه السياسيين العرب والسياسات العربية، فلا هم مشفقون ولا هم شامتون ولا هم حتى عابئون. كنا وباقي الأهل من العرب نتفاعل بدرجات متفاوتة من الاهتمام مع القمم العربية السابقة. أحياناً كانت الأحلام تحفزنا، وفي أحيان أخرى كان الغضب. وفي مرات عديدة ساقنا الفضول نحو توقعات وتساؤلات سبقت انعقاد القمم واختفت بعدها. تعالوا نسأل واحداً من الأهل: بماذا تحلم حين تفكر في مستقبل هذه الأمة؟ سيأتينا الجواب خافتاً، أي أمة تعني؟ هل يوجد ما يمكن أن يطلق عليه أمة عربية. الآخرون، سواء كانوا في الغرب البعيد أو الشرق الأقصى أو في إيران وتركيا وبخاصة في إسرائيل، يعرفون أن العرب أمة، وإن تنافر حكامها أو تخاصموا، وأن لا سبيل أمام نجاح أي مشروع استعماري، أو نهضوي، أو استراتيجي أو متعلق بإقامة سلام إقليمي إلا سبيل التعامل مع العرب كأمة. الدليل على ما أقول يجسده هذا الفشل العظيم لكل مسيرات العرب منذ أن قرروا انتهاج سلوك الانفراط، ويجسده النجاح العظيم الذي حققته بريطانيا عندما حشدت العرب وفرضت عليهم نوعاً أو آخر من أنواع الوحدة فساعدوها في حربها ضد الأتراك، والنجاح الذي عادت فحققته عندما أرادت إضفاء الشرعية على خريطة المنطقة السياسية لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ففرضت توافقاً أدى إلى قيام جامعة الدول العربية، ثم كيف ننسى النجاح الذي حققه الأميركيون عندما جمعوا معظم العرب لشد أزر صدام حسين في حربه ضد إيران وعادوا فجمعوا عدداً أكبر في قمة من قمم البند الواحد، وكان البند إخراج العراق من الكويت. الفشل محتمل دائماً والنجاح جائز وممكن، ولا شيء حتمياً يمنع تكرار النجاح إذا قرر القادة العرب أن يشاركوا «الآخرين»، الأعداء منهم والأصدقاء، اعتقادهم الجازم أننا أمة واحدة فنقبل ما يملونه علينا وهو ما نفعله بعض الوقت أو نفرض عليهم إرادتنا وأحلامنا وهو ما لم نفعله إلا نادراً، كما أنه لا شيء حتمياً يمنع تكرار الفشل سوى أن نرفض مشاركة الآخرين، أعداء كانوا أم أصدقاء، اعتقادهم أن أمة عربية تعيش على هذه الأرض فتذهب وفودنا إلى قمة الدوحة، كل وفد منها يدخل القاعة تحت راية مكتوب عليها «بلدي أولاً وأخيراً»، إنها الراية المعتادة التي ترفعها حكوماتنا في الاجتماعات العربية وفي أوقات الأزمات العربية، ونرفعها عالياً كلما تعقدت أزماتنا الداخلية وتخفضها في الاجتماعات الدولية والإقليمية، ففي مثل هذه الاجتماعات ترتفع رايات ولاءاتنا للغرب وللعولمة ولصيغة التعددية الدولية وسيادة المنظمات الدولية. لست مختلفاً مع رأي تردّد في الأيام الأخيرة يعتقد أصحابه أن هذه الدورة أكثر من أي دورة أخرى للقمة العربية تستحق صفة قمة البند الواحد. ومع ذلك، أكاد أرى قضايا أخرى تتنافس من الآن لتزاحم البند الإيراني وتحصل على موقع قريب من موقعه في صدارة جدول الأعمال. ستبدأ القمة بإيران وتنتهي بموقف عربي شبه موحد منها، ولكن توجد على الأقل قضايا ثلاث ستفرض نقاشاً حولها، أو على الأقل ستخيّم على أجواء القمة فتجعل مهمة الحريصين على استصدار قرار سريع واضح وموحد حول التعامل العربي مع إيران مهمة ليست سهلة، أما القضايا الثلاث فهي: أولاً: تعثّر جهود توحيد الفصائل الفلسطينية. إذ إنه حتى ساعة كتابة هذه السطور لم يتبلور أمل في أن تصل محادثات القاهرة إلى ما يبتغيه بعض العرب والفلسطينيين ويتمناه كل الغرب. أدركنا، منذ فترة، أن الانقسام الراهن بين الفلسطينيين استطاع، كأي واقع على الأرض، أن يخلق مصالح لأفراد وربما لجماعات، وهو بالتأكيد أضاف لإسرائيل مصلحة جديدة تضاف إلى قائمة مصالحها في استمرار تدهور أوضاع الفلسطينيين. هذا الانقسام، إذا استمر عصياً على الحل، فسوف يشكل غمامة تحد من بصر المجتمعين في الدوحة وبصيرتهم. ساعتها سوف تتبادل أطراف عربية اللوم والتأنيب، وقد تأتي رسائل من إسرائيل أو من إيران أو من تنظيم «القاعدة» حول الموضوع تزيد من تعقيد الأمور. ثانياً: أظن أن أطرافاً عربية كثيرة وبعضها قوي النفوذ أصابها إحباط شديد عندما بلغها نبأ انتصار نتانياهو وصاحبه ليبرمان. اسباب الإحباط معروفة، ولكن أهمها هو أن معظم القادة العرب لديهم ما يكفيهم من مشكلات داخلية، ولا أحد منهم توقع مشكلة جديدة من هذا النوع الثقيل. كان الأمل في معظم دوائر الحكم العربية أن تفوز السيدة ليفني ليس لأنها صديقة للعرب ولكن لأن الشعوب العربية اعتادت عليها منذ أن شاهدتها مستندة إلى ذراع مسؤول عربي لتمنع نفسها من السقوط. من الآن فصاعداً سيتعامل المسؤولون العرب مع مزيج متوحش في الطبقة الحاكمة الإسرائيلية حيث تختلط العنصرية المتطرفة بالغطرسة السياسية المتناهية في رجلين يكرهان العرب أكثر من أي شيء آخر في الوجود ويؤمنان إيماناً خالصاً بأن لا مكان للفلسطينيين في أرض إسرائيل، ولا مكانة خاصة لدولة عربية تحوز على قدر ولو بسيط من القوة والمنعة، ولا دور لأميركا في شأن يخص إسرائيل من قريب أو بعيد من دون إذن إسرائيل ومشيئتها. ستكون مشكلة من مشكلات هذه القمة الخروج بصيغة تخفي الحرج الشديد الذي تجد القمة نفسها فيه بسبب وجود ليبرمان وزيراً للخارجية في اسرائيل، وبخاصة في مرحلة سوف يعمل فريق أوباما «ليل نهار»، وبدأ يعمل فعلاً، ليجمع المسؤولين العرب بالمسؤولين الإسرائيليين لتحقيق «اختراق» على طريق السلام امتنع بوش ومساعدته كوندي عن تحقيقه. وكان قد وصل إلى علم إدارة أوباما أن العرب المتفائلين بالرئيس الأسمر لن يخيبوا رجاءه. ثالثاً: لم يعلن بعد أن وزراء المال والاقتصاد العرب سيكونون ضمن أعضاء الوفود إلى هذه الدورة باعتبارها دورة عادية وليست قمة اقتصادية. وسيأتي في دفاع من نظموا لهذه القمة أن الوزراء شاركوا في القمة الاقتصادية التي عقدت في الكويت منذ أسابيع قليلة. الحجة ضعيفة، لأن أقاليم العالم بأسرها تجتمع في قمم ومجالس وزارية لتناقش الأزمة المالية العالمية وتداعياتها المحتملة، ولا معنى لقمة تنعقد لأهداف ليس بينها المال والاقتصاد في وقت تأزمت فيه أمور الاقتصاد العالمي إلى حد الكارثة. وإذا صح أن قمة الدوحة تنعقد من أجل بند واحد، وإذا تأكد أنها لم تخرج بسياسات لإنقاذ العالم العربي من عواقب اجتماعية وسياسية خطيرة وتركت الأمور تأخذ المجرى ذاته الذي أخذته حتى الآن، فلن يأخذ العالم الخارجي نتائج هذه القمة مأخذ الجد، سواء في البند الواحد الذي انعقدت من أجله أو بنود أخرى فرضت نفسها. لن تهتم إيران مثلاً بقرارات قمة عربية لم تضع في أولوياتها احتمالات تدهور الأزمة المالية العالمية ووسائل التعامل معها ولم تهتم بمشكلات حالة تعاني منها شعوبها أو لم تقترح ما يجنب هذه الشعوب كارثة يزعم خبراء الاقتصاد في الغرب أنها محققة. * كاتب مصري