قبل ثلاث سنوات زرت دبلن عاصمة إيرلندا، واكتشفت أن هذه القطعة المتمردة على التاج البريطاني يجري في عروق شعبها ذي الشعر الأشقر والعيون الزرق دم عربي. فقد سألني سائق سيارة الأجرة وهو يقلني إلى المطار إن كنت من عرب الشرق الأوسط فقلت بل من عرب المغرب، فراح يمتدح منتخب الجزائر الذي واجهوه في مونديال المكسيك 1986، وقال لي: «يعجبني العرب في أنهم يكرهون الاستعمار مثلنا، والذين أوصلوا فلسطين إلى ما هي عليه اليوم هم من حاولوا أن يجعلوا منا فلسطيناً أخرى... وأما أنتم الجزائريون فتعجبني استماتتكم في المقاومة من أجل الانتصار، وهذا ليس غريباً عنكم، فقد طردتم فرنسا من أرضكم، مثلما فعلنا نحن مع الإنكليز، ثم إننا نرتدي الألوان الخضراء مثلكم»... وبعد 24 عاماً يلتقي المنتخبان في مباراة ودية تحضيرية لتجديد أواصر الصداقة... إنما بالنسبة إلى الإيرلنديين كما قال لي أحدهم تعني أن تراباتوني ولاعبيه يريدون أن يبعثوا برسالة للإنكليز مفادها أننا نساعد خصومكم في المونديال، وأخرى للفرنسيين، مؤداها أنكم سرقتم منا التأهل بيد هنري، نقابل منتخباً رفضتم التباري معه ودياً، لأن بعض نجومكم كان يمكن أن يكونوا نجوماً فيه، أمثال ناصري وبن زيمة المبعدان دون تبرير فني. وذكر لي زميل صحافي حضر مباراة الجزائر وإيرلندا يوم أمس، إن باعة البيتزا في دبلن يجمعون على أنهم سيوزعون وجبات مجانية على زبائنهم كلما استقبلت شباك «الديكة» هدفاً، وهم يتوقعون أن تكون الأهداف كثيرة وبالتالي فإن الآكلين مجاناً سيكون عددهم كبيراً. أما رئيس الاتحاد الجزائري الحاج محمد روراوة، فحين سألته عن حالة الملعب الذي أجروا فيه اللقاء ضد إيرلندا، قال لي: «لقد رأيت شيئاً عجباً، فالمقاعد تحمل أسماء عائلات، توارثتها أباً عن جد، وتدفع في مقابل ذلك أجراً سنوياً، ولا يحق لأي كان أن يجلس في مقعد هو ملك لعائلة بعينها»، قلت له: «ماذا لو اعتمدنا هذا الأسلوب في ملاعبنا العربية؟» قال لي: «ليت الأمر اقتصر على الكراسي... فليس هناك حاجز بين الجمهور والملعب. وليس هناك من يجرؤ على أن يتجاوز الخط إلى اللاعبين... إنها ثقافة الانضباط». فأغلقت الموضوع وغيرت الحديث إلى حرمان مراد مغني من المشاركة في المونديال بسبب الإصابة التي طاردته من ملعب إلى آخر، فقال لي: «كل مونديال يغيب فيه نجوم كبار... ولسوء حظ بعضهم يغيبون في أوج تألقهم أمثال بيكام وبالاك وديارا وإيسيان ومغني... مثلما تغيب منتخبات كبيرة أيضاً بنجومها مثل روسيا والسويد وتركيا». واللافت في هذا المونديال هو العودة القوية للعرافين والمشعوذين الذين صار بعضهم يطلق تكهنات أوصلت منتخبات إلى النهائي، وأقصت أخرى في الدور الأول، وتنبأت بحدوث أشياء كثيرة، بل إن بعض الصحف لم تستبعد صدق ما جاءت به فناجين هؤلاء العرافين لأن أفريقيا اشتهرت بذلك، ومن يدري فقد نشهد حرباً بين عرافي الشمال والجنوب، وليس أمام بلاتر سوى أن يشدد الرقابة على الحكام، وأما حكم الفناجين فمتروك للمستثمرين في الوهم والأحلام. [email protected]