أعلنت بلجيكا أنها ستنفق 400 مليون يورو (450 مليون دولار) إضافية على تطوير قدراتها الأمنية، بعد أن اتضح أنها كانت «قاعدة» لمنفذي اعتداءات باريس التي سقط فيها 130 قتيلاً. لكن تفجيرات الثلثاء تكشف أنه ما زال أمامها شوط طويل. وأكد خبراء أمنيون أن «تعدد مؤسسات الحكم وعدم كفاية التمويل المخصص لأجهزة الاستخبارات ومجاهرة الدعاة الأصوليين بآرائهم وازدهار السوق السوداء في تجارة السلاح، كل ذلك يجعل بلجيكا بين أكثر الدول عرضة لهجمات المتشددين في أوروبا». وقال مسؤول في الحكومة الأميركية لوكالة «رويترز» إن «هجمات الثلثاء توضح أن السلطات البلجيكية لم تبذل كل ما في وسعها». وكان القبض يوم الجمعة الماضي على صلاح عبدالسلام المشتبه بعلاقته باعتداءات باريس «نصراً» لأجهزة الأمن البلجيكية. لكن اختباءه أربعة أشهر، وتنقله في العاصمة كان في الوقت نفسه دليلاً على مدى صعوبة مهمة تأمين بلجيكا. وقالت مصادر حكومية أميركية إنه «في حين أن الولاياتالمتحدةوبلجيكا كانتا ترجحان وقوع هجوم آخر بعد باريس، فلم يكن لديهما معلومات مؤكدة عن الموقع الذي قد يحدث فيه». وجدد وزير المالية الفرنسي ميشيل سابان ما دار من جدل حول السياسات البلجيكية في أعقاب هجمات باريس، إذ تحدث عن «سذاجة» لدى «قادة بعينهم» بالامتناع عن شن حملات أمنية على الجاليات المسلمة. ورد النائب البلجيكي ديدييه دوكارم المنتمي إلى حزب رئيس الوزراء على التلفزيون الفرنسي، فقال إن «تعليقات مثل ما أدلى به الوزير سابان بدأت تزعجني جدياً». وسيظل لحاق وكالة الاستخبارات البلجيكية بما فاتها بعد سنوات من الإهمال مشكلة، إذ يبلغ عدد العاملين فيها 600 فرد فقط، وهو ثلث عدد العاملين في وكالة الاستخبارات الهولندية، على رغم أنها أصغر من بلجيكا، وعدد الجهاديين الذين سافروا منها للقتال في سورية أو العراق أقل. وبلجيكا هي صاحبة أكبر عدد من المقاتلين الذين توجهوا إلى القتال في سورية، مقارنة بعدد السكان بين الدول الأوروبية. ووصف حي مولنبيك المزدحم في بروكسيل بأنه «قاعدة جوية جهادية»، بسبب عدد المشتبه بأنهم من المتشددين الذين يعتقد بأنهم يعيشون فيه. ويقدر مسؤولون أميركيون وأوروبيون أن مراقبة شخص واحد على مدار 24 ساعة يومياً من دون أن يكتشف ذلك يتطلب استخدام عدد يصل إلى 36 فرداً من رجال الأمن، وهو ما يعني حتى أن الأجهزة التي يوجد بها عدد كبير من العاملين مثل «إم آي 5» في بريطانيا لا يمكنها سوى تتبع عدد محدود ممن ترتاب فيهم في آن. وقال ألان وينانت، الذي تولى رئاسة جهاز الاستخبارات البلجيكية من 2006 حتى 2014: «إن بلجيكا من آخر الأماكن في أوروبا التي حصلت على تقنيات حديثة في جمع المعلومات، مثل أجهزة التنصت على الهواتف. وفي إحدى المرات اضطرت الشرطة لنفي أنها تركت عبدالسلام يفلت من أيديها بسبب قانون يحظر دهم المنازل ليلاً». وقال رئيس الوزراء ميشال إنه يدرك أن الوضع يتطلب المزيد. ومن المستحيل على أي بلد أن يضمن تأمين «الأهداف الرخوة» بالكامل، مثل محطات السكك الحديد المزدحمة والمطارات. لكن بلجيكا تواجه تحديات فريدة، فالبيروقراطية في هذا البلد الذي يتحدث جانب من سكانه بالفرنسية، وجانب آخر بالهولندية، تعرقل تبادل المعلومات، إذ يوجد ستة برلمانات لأقاليم البلد وطوائفها التي تتحدث بلغات مختلفة. ويوجد 193 قوة محلية للشرطة، وفي بروكسيل وحدها 19 رئيس بلدية، يتمتع كل واحد منهم بقدر من الاستقلال. وهذا يتيح للمتطرفين الاختباء عن عمليات الرصد، وهو ما لا يتاح لهم بهذا القدر في هولندا، إضافة إلى إبطاء وتيرة إقرار القوانين الجديدة للحد من الخطب التي تحض على الكراهية في المساجد وتجارة السلاح المزدهرة. وتظهر بيانات الشرطة أنها تضبط كل عام ما يقرب من ستة آلاف قطعة سلاح ناري في بلجيكا، أي أكثر ما يضبط في فرنسا، وفي كثير من الأحيان تبيع هذه الأسلحة شبكات عصابات من البلقان للجهاديين في بلجيكا.