تنتاب أهالي منطقة الباحة كثير من المخاوف أمست ملازمة لهم من جراء كارثة السيول التي طاولتهم تبعاتها السلبية أخيراً وما خلفته من أضرار لديهم في الممتلكات العامة والخاصة، بيد أنها أيقظت فيهم روح الاستعداد والتهيؤ لأي طارئ ربما يفاجئهم عاجلاً أم آجلاً، وأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهته في كل زمان ومكان. ففي الوقت الذي يحسب فيه أهالي الباحة «محمدة» للسيول من هذا الجانب، أبدت مجموعة من أهالي المنطقة انزعاجها من سوء تصريف السيول الذي لم يكن (وفق حديثهم إلى «الحياة») كما يجب، إذ أبدى الكثير منهم ومن الخبراء والمسؤولين مخاوفهم من سوء تصريفها، وما ترتب عليه من تكوينها مستنقعات ظلت مرتعاً خصباً لتوالد البعوض والحشرات الناقلة للكثير من الأوبئة والأمراض. من ناحيته، حذر الأستاذ في قسم الهندسة المدنية في جامعة الباحة الدكتور وائل نشأت عبدالسميع من عدم اكتمال تصريف مجرى السيل في وادي «قوب» المحاذي لطريق الملك عبدالعزيز الرابط بين الطائف وأبها، مبيناً أن كثيراً من جنبات المجرى لا تحوي سنداً خرسانية، وما يوجد منها لم يغط إلا أجزاء قليلة جداً منها، زودت بها جوانب بسيطة لا توفر حماية للتربة، أو أساسات المباني المجاورة لمجرى الوادي من الهبوط أو الانهيار. وانتقد المهندس عبدالسميع ترك نهايات حديد التسليح في مجرى الوادي من دون تغطية، ما قد يتسبب في كارثة أخرى كونها أصبحت «صدئة». وبيّن أن خطورتها تكمن في جانبين، أولهما أن النهايات الصدئة المكشوفة لحديد العبارات في الوادي والتي يتجاوز طول بعضها ال 30 سنتيمتراً يضعف من مقاومة تلك العبارات للأحمال المصممة على تحملها مسبقاً، ما يتسبب في تقليل عمرها الافتراضي، أما الجانب الثاني فهو أن تلك النهايات ستكون سبباً رئيساً في وفاة من تجرفه السيول نظراً إلى حدتها وطولها، إذ إنها تحيط بالعبارات من الجانبين. وحول ما إذا كان مجرى وعبارات وادي «قوب» في حاجة إلى مزيد من الصيانة كون الصخور والأتربة سكنت جزءاً لا يستهان به منه، أكد عضو هيئة التدريس في كلية الهندسة في جامعة الباحة أن المشروع لا يمكن أن يكون قد أكتمل، نظراً إلى أن المجرى قد تم سند بعض جوانبه وترك الباقي منه من دون جوانب سند، لكن من الواضح أن المشروع توقف أو أنه تم تسلمه قبل أن ينتهي. مبدياً امتعاضه الشديد من وجود ما يتعارف عليه ب «التعشيش» في الخرسانة الذي يؤثر في مقاومة خرسانة «العبارة» وبالتالي يقلل عمرها الافتراضي. من جانبه، قال مدير إدارة المشاريع في أمانة الباحة المهندس سعيد الحمراني ل «الحياة» إن مشروع وادي «قوب» قائم من 15عاماً مضت، وأنه بناء على توجيهات وزارة الشؤون البلدية والقروية منذ خمس سنوات، فقد تم إسناد مهمات درس مشروع تصريف جميع مياه الأمطار والأودية للوزارة. وتابع: «في شهر جمادى الأولى من العام الماضي وقعت أمانة الباحة تسعة عقود لتصريف الأمطار في مدينة الباحة فقط، خصص منها عقدان لوادي «قوب» الأول بشأن المشروع الذي يبدأ من تقاطع طريق الملك عبدالله وطريق الملك سعود شمالاً وبكلفة تقديرية بلغت 33 مليون ريال وسيتم الإعلان عن مناقصته قريباً، بينما يختص العقد الآخر بالمشروع الذي يبدأ من تقاطع طريق الملك عبدالله مع طريق الملك سعود جنوباً وبكلفة تقديرية بلغت 66مليون ريال، وجار التنسيق مع وزارتي الشؤون البلدية والقروية والمال لطلب الاعتمادات». وأكد الحمراني أن مشروع وادي «قوب» لم يكتمل إلى الآن وأنه مازال ينقصه الكثير من الجدران الساندة لجنباته، إلى جانب فقده الكثير من العبارات سواء المغلقة منها أو المفتوحة، وأن كل ما ينقص مشروع تصريف وادي «قوب» تم اعتماده ضمن العقدين السابق ذكرهما، مبيناً أن أرضية الوادي سيتم فرشها بحجارة لها قدرة على امتصاص الماء والمتعارف عليها بحجارة «القابيون». وألمح الحمراني إلى أن العقود السبعة الأخرى لتصريف مياه الأمطار في مدينة الباحة تشمل تصريف مياه الأمطار في المدينة المركزية وما حولها، وسيتم إنشاء الكثير من «القيرلات» و«البايبات» لتصريف الأودية، كاشفاً تخصيص عقدين لتصريف مياه الأمطار في المدينة المركزية في الباحة، أحدهما سلم للمقاول الأسبوع الماضي بقيمة بلغت 8.9 مليون ريال، فيما ستتم ترسية العقد الآخر خلال الشهر المقبل. وحول تصريف عدد من المنازل والمحطات المجاورة للوادي لمخلفات مياهها في مجرى الوادي، أوضح مصدر في أمانة الباحة ل «الحياة» أنه تم رصد الكثير من المخالفات من هذا النوع، و تم إيقاع الغرامات المالية بحق مرتكبيها. لكنه لم ينف أن أصحاب تلك المخالفات يعودون بعد ذلك لارتكاب ذات المخالفات مرة أخرى، مهيباً بالمواطنين إبلاغ الأمانة في حال لاحظوا مثل هذه الانتهاكات، وذلك لحفظ مصدر المياه المهم من التلوث. وفي سياق ذي علاقة، أبدى عدد (غير قليل) من القاطنين بالقرب من وادي «قوب» قلقهم من الكثير من المخالفات في مجرى الوادي: «ليس أكبرها وجود تمديدات كهربائية في مجرى الوادي، بل وجود بنايات داخل بطون الأودية، إضافة إلى تصريف مخلفات المياه المصرفة من المنازل والمحطات المجاورة إلى مجرى الوادي عبر أنبوب خارجي تم توصيله إلى داخل إحدى العبارات، كما أن هناك مياهاً لا تخلو من المشتقات البترولية، ما يجعل أحد أهم موارد مياه الباحة في خطر، كون أحد أكبر الأودية باتت مياهه ممزوجة بمشتقات بترولية»، وبالتالي توقّع حدوث تلوث حقيقي في الوادي.